قال المولى عز وجل فى كتابه العزيز: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا) (الإسراء:23-24).
لقد أوصى الله بالوالدين، وأكدت كتب التفاسير أنه مهما قدم الأبناء من رعاية وعناية للآباء فى الكبر لن يوفهما حقهما، واستوقفنى حديث عن الرسول “ص”: ذكر أنَّ رجلاً قال لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: إنَّ أبوى بلغا من الكبر أنِّى ألى منهما ما وليا منِّى فى الصِّغَر، فهل قضيتهما؟ فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: لا؛ فإنهما كانا يَفعَلان ذلك وهما يُحِبَّان بقاءَك، وأنت تفعَل ذلك وأنت تريدُ موتهما. مايعنى أن هذا الرجل اهتم بوالديه فى كبرهما وقام على رعايتهما أفضل رعاية كما فعلا معه فى صغره وكان يسأل الرسول اذا كان قد رد الجميل.
فما كان من الرسول إلا أن أجابه بأنهما فعلا ذلك وهما يتمنان ويتوسلا، إلى الله أن يبقى على قيد الحياة، أما هو فيفعل ذلك وهو يتمنى بينه وبين نفسه أن يموتا حتى يتخفف من عبء ومشقة خدمتهما ورعايتهما ويتفرغ لحياته، رسالة بليغه تؤكد وتعظم قيمة الوالدين وتضحياتهم من أجل أبنائهم.
لقد أردت بهذه المقدمة الإشارة الى أهمية اختيار الأمم المتحدة الأول من يونيو عيدا للوالدين وتأكيدها على قيمة وجود الآباء فى حياة الأبناء على الرغم من أن الإعلان كان فى عام 2012م تقديرًا لجميع الآباء فى جميع أنحاء العالم لالتزامهم الأنانى تجاه الأطفال وتضحياتهم مدى الحياة من أجل رعاية هذه العلاقة، ولكن أن تأتى متاخرا أفضل من ألا تأتى.
وقد بدأت الأمم المتحدة تركيز الاهتمام على القضايا المتعلقة بالأسرة منذ ثمانينات القرن الماضى، ففى عام 1983، وبناء على توصيات المجلس الاقتصادى والاجتماعى، طلبت لجنة التنمية الاجتماعية فى قرارها بشأن “دور الأسرة فى تعزيز التنمية (1983/23) من الأمين العام العمل على تعزيز الوعى بين صانعى القرار والجمهور بمشاكل واحتياجات الأسر، وكذلك الطرق الفعالة لتلبية تلك الاحتياجات، كما أعلنت الجمعية العامة، فى قرارها 44/82 المؤرخ 9 ديسمبر 1989، عام 1994 سنة دولية للأسرة، وفى القرار رقم 47/237 لعام 1993، قررت الجمعية العامة الاحتفال بيوم 15 مايو من كل عام باعتباره اليوم الدولى للأسرة، وفى العام 2012، أعلنت الجمعية العامة أن 1 يونيو من كل عام، سيكون يوما عالميا للوالدين “ويكيبديا “.
أتصور أننا فى عصرنا هذا نحتاج إلى تعظيم الاحتفاء بهذا الْيَوْمَ والسعى الى العمل على تحطيم الجدار الفاصل فى العلاقة بين الأجيال “الأبناء والأبناء” وتضييق الفجوة التى اتسعت على مدار سنوات مضت بسبب تغيرات كثيرة طرأت على العالم ومن بينهم بلدنا تحت مسمى الحداثة والحريّة، التى أصبحت غير مسؤولة وكنا جيل يحترم حريته ويقدر مسؤوليته تجاه كل متغير فى عالمه.
الآن.. اختلط الحابل بالنابل، وكثر الجدال والسفسطة غير المقبولة، لا أدين الكل ولكن النسبة الغالبة من الأبناء صارت أكثر تأثرا بمفاهيم وقيم ومعتقدات دخيلة علينا وصار الآباء أكثر إرهاقًا واجهادا فى تأدية أدوارهم ومسؤولياتهم تجاه أبنائهم، التربية صارت أكثر تعقيدا فى حين أن العكس كان يجب أن يكون هو الصحيح فى ظل أبناء نشأوا بطريقة أكثر وعيا وفهما للحياة، ولهذا أقول علينا باقتناص هذه الفرصة وتعظيم دور الوالدين وأهمية رعايتهما وحبهما وتقديرهم لما يقدمونه وأن نضع مع أبنائنا ميثاق شرف لأسلوب حياة جديدة يقوم على الرعاية المشتركة، نعم كما نراعى الأبناء عليهم أن يشاركونا مسؤوليات الحياة داخل البيت؛ لأن الشراكة تجعل منهم عناصر إيجابية ويكون دعمهم لنا فى الكبر عن حب لا عن إحساس برد جميل، أو مجرد عمل يؤديه متزمرا وهو يتمنى بينه وبين نفسه الخلاص من هذه المهمة الثقيلة، على الوالدين أن يتخلّوا عن ضعفهم تجاه أولادهم، والخلاصة حبوا أولادكم ولا تنسوا أنفسكم.