سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في تحليل جديد الضوء على المعادن الأرضية النادرة، مشيراً إلى أن تلك المعادن تمثل ثقلًا وبعدًا هامًّا في رسم مستقبل الصناعات العالمية والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وتلعب دورًا حاسمًا في أمن الطاقة واستدامتها ومستقبل البيئة والنمو الاقتصادي، وذلك بالنظر إلى أن العديد من التقنيات المتقدمة تحتوي على مكونات مصنوعة من العناصر الأرضية النادرة، وتُستخدم هذه المكونات في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الرعاية الصحية والنقل وتوليد الطاقة وتكرير البترول والإلكترونيات الاستهلاكية، وبسبب هذا الدور الحاسم، زاد الاهتمام والبحث عن العناصر الأرضية النادرة مؤخرًا، خاصة في ظل حالة التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى في النظام العالمي.
وأشار التحليل إلى أن المعادن الأرضية النادرة هي في الواقع أكثر وفرة مما يوحي بها اسمها، وهى تتكون من 17 عنصرًا معدنيًّا، ولكن الاستخراج والمعالجة والتكرير عملية صعبة لعدد لا يحصى من الأسباب التقنية والبيئية، وهذه العناصر السبعة عشر -التي تنقسم إلى مجموعات فرعية من الأرض النادرة الخفيفة والثقيلة النادرة على أساس أوزانها الذرية- موجودة في القشرة الأرضية على مستوى العالم، ولكن غالبًا ما يكون من الصعب الحصول على العناصر الأرضية النادرة الثقيلة، وهي تشمل معادن مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، والتي تلعب دورًا مهمًّا في مكونات الدفاع والتكنولوجيا والمركبات الكهربائية.
كما يعد النيوديميوم والبراسيوديميوم من أكثر العناصر الأرضية النادرة الخفيفة المرغوب فيها والضرورية في منتجات مثل المحركات والتوربينات والأجهزة الطبية، وتلك العناصر قد ازداد الطلب عليها في السنوات الأخيرة مع نمو التكنولوجيا، وسوف يستمر في الصعود وسط السباق المستمر في مجال صناعة السيارات الكهربائية.
هذا، وقد أدى تزايد أهمية المعادن النادرة في العديد من القطاعات الاقتصادية خلال الآونة الأخيرة إلى تزايد حدة المنافسة بين القوى الدولية حول تلك المعادن، إلا أن هذه المنافسة لا تزال مُعقدة للغاية، لا سيما في ظل هيمنة الصين على النصيب الأكبر منها.
ونظرًا لأن العالم يستثمر بكثافة في الاقتصاد الرقمي والتحول الأخضر، فإن الحاجة إلى هذه العناصر الأرضية النادرة، بما في ذلك البوكسيت والكوبالت والليثيوم والنيكل، ستزداد من خمسة إلى ستة أضعاف بحلول عام 2030، ونحو سبع أضعاف بحلول عام 2050، وفقًا لتقديرات المفوضية الأوروبية والبنك الدولي.
وأشار مركز المعلومات إلى إنه وفقًا لتقديرات عام 2021، تُعدّ الصين هي أكبر منتج للمعادن الأرضية النادرة في العالم، حيث تنتج نحو 61% من الإنتاج العالمي من المعادن الأرضية النادرة، أي ما يعادل نحو 168 ألف طن من إجمالي الإنتاج العالمي من المعادن الأرضية النادرة البالغ 277.1 ألف طن، في حين تنتج الولايات المتحدة وبورما وأستراليا وتايلاند معًا 35.7% من الإنتاج العالمي من المعادن الأرضية النادرة.
جدير بالذكر أنه وفقاً لتقرير صادر عن “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي” (Peterson Institute for International Economics, PIIE) في أبريل 2023، فقد تم تسلّيط الضوء على تسارع عمليات البحث والاستكشاف حول العالم عن العناصر الأرضية النادرة -خاصة المعادن الحيوية التي تستخدم في مجموعة واسعة من المنتجات التجارية والصناعية بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر والبطاريات وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية-، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في العالم، فقد عمد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى زيادة أعمال البحث عن المعادن الأرضية النادرة، حيث أصبحت هناك حاجة ضرورية لتنويع سلاسل التوريد العالمية، خاصة بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية يستوردان 98 و80% على التوالي من المعادن الأرضية النادرة من الصين التي تسيطر على أجزاء كبيرة من التعدين والمعالجة لها حول العالم، وعدم اكتفاء الصين بإنتاج المعادن الأرضية النادرة وضخها الاستثمارات بشكل كبير في البلدان التي تكون فيها المعادن وفيرة.
أضاف المركز في تحليله إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تمتلك معادن أرضية ثمينة، لا سيما فرنسا واليونان وجرينلاند والبرتغال وشمال الدول الإسكندنافية، وتُقدّر شركة التعدين المملوكة للدولة في شمال السويد أنه يمكن العثور على معظم المعادن المهمة في الأراضي السويدية، مع احتياطيات تبلغ مليون طن، مما يجعل السويد أكبر مورد للمعادن الأرضية الثمينة في أوروبا.
وفي هذا الإطار، فإن الهدف الأوسع للاتحاد الأوروبي يتمثل في إنشاء نوع من التحالف العالمي يمثل نادٍ للمواد الخام بين البلدان ذات التفكير المماثل للعمل على تعزيز سلاسل التوريد العالمية، والتوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية، والعمل مع الشركاء لمكافحة الممارسات التجارية غير العادلة.
وعلى الجانب الآخر، فإن تكاليف الاستثمار في البحث والتنقيب عن هذه المعادن لا تزال مرتفعة، كما أن إجراءات الحصول على التصاريح والتراخيص وإجراء تقييمات الأثر البيئي طويلة ومعقدة، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستغرق عملية الحصول على التصاريح من 8 إلى 12 عامًا، وعلاوة على ذلك، فإن التنقيب والبحث عن هذه المعادن يُهدّد بدوره السكان الأصليين في السويد وكذلك النرويج وفنلندا، كما أن معالجة مطالب هؤلاء السكان المعقدة ستكون تحديًا آخر لغالبية هذه الدول.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت المفوضية الأوروبية مؤخرًا استراتيجية للمعادن النادرة تهدف إلى ضمان الوصول إلى إمدادات آمنة ومتنوعة وبأسعار معقولة ومستدامة، وبموجب هذه الاستراتيجية، سيتم إنشاء إطار عمل مشترك لتعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على استخراج ومعالجة وإعادة تدوير المعادن والفلزات لتنويع سلاسل التوريد ومراقبة المخاطر بشكل أفضل، كما تقترح المفوضية الأوروبية في هذا السياق أهدافًا لزيادة أنشطة التعدين في الاتحاد الأوروبي حتى يتمكن الاتحاد الأوروبي من تلبية 10% من الاحتياجات السنوية لهذه المعادن، و40%من المعالجة السنوية، و15% لإعادة التدوير السنوية، على أن يتم إنجاز كل هذه الترتيبات بحلول عام 2030، وذكر التحليل أنه بجانب التحركات الأوروبية، هناك تحركات أخرى من العديد من القوى الدولية، ومن ذلك إعلان الحكومة الأسترالية في أكتوبر 2022 عن برنامج لاستكشاف طرق معالجة المعادن النادرة، مع تخصيص نحو 99.8 مليون دولار أسترالي على مدى ثلاث سنوات لتنفيذ هذا البرنامج، وفي ديسمبر 2022 أعلنت كندا عن إطلاق استراتيجيتها للمعادن النادرة، والتي بموجبها وضعت الدولة مجموعة من الإجراءات لدعم الجهود في أن تصبح موردا عالميا مفضلا للمعادن النادرة والتقنيات الرقمية النظيفة التي تتيحها، ولزيادة قدرة الدولة على إمداد نفسها والأسواق العالمية بالمعادن ذات الأولوية العالية، وفي نوفمبر 2022 أطلقت فرنسا مرصدًا مختصًا بالمعادن النادرة، تغطي الدولة 60% من تمويله في مقابل 40% يتحملها الفاعلون في القطاعات الصناعية، ويهدف هذا المرصد إلى تأمين إمدادات فرنسا من المعادن النادرة.
بالإضافة إلى ذلك، تم في يوليو 2022 الإعلان عن إطلاق أول مركز في المملكة المتحدة لجمع وتحليل المعلومات حول إمدادات المعادن النادرة؛ في خطوة تهدف لتحسين مرونة سلاسل توريد المعادن النادرة، في حين وسعت الولايات المتحدة الأمريكية صلاحيات لجنة الاستثمار الأجنبي في سبتمبر 2022، ومنحت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” سلطة أكبر للجنة الاستثمار الأجنبي؛ وذلك عبر إنشاء إدارة جديدة أوكلت إليها مهام مراجعة جميع طلبات الاستثمار في المعادن الحرجة التي تؤثر على الأمن القومي، كما عمدت اليابان إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في الشركات اليابانية التي تنفذ مشاريع بفيتنام على مدار العقد الماضي؛ في محاولة لتأمين احتياجاتها من المعادن النادرة. فضلًا عن ذلك، وضعت الهند خطة عمل لاستكشاف ومعالجة واستخدام وإعادة تدوير المعادن الهامة المتوفرة فيها.
وأفاد التحليل أن تصاعد الاهتمام العالمي بالبحث عن المعادن الأرضية النادرة يمثل فرصة كبيرة لدول القارة الإفريقية، خاصة في ظل ما تتمتع به هذه الدول من ثروات ومعادن أرضية نادرة، وعليه يمكن للدول الإفريقية الاستفادة من تسارع الجهود العالمية للبحث عن العناصر الأرضية النادرة لجلب الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها لتمويل الأهداف الاجتماعية والاقتصادية الأساسية والحد من الفقر، واستخدام منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) لتعزيز الشراكات التجارية الإفريقية والعالمية.