تحت رعاية سفير تركيا بالقاهرة صالح موطلو شن، أقيمت في مقر اقامة السفارة التركية بالقاهرة ندوة تاريخية وفكرية حول التراث الثقافي التركي في مصر، بمشاركة العديد من الضيوف البارزين والمثقفين والأكاديميين والصحفيين المصريين، ألقى خلالها الاستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي محاضرة في سياق كتابه “الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي”، والذي كتبه بجهد وعناية كبيرة.
وقد كتب مقدمة الكتاب رئيس جمهورية تركيا السيد رجب طيب أردوغان، هو نتاج أكثر من أربعين عاما من العمل؛ ويلفت الانتباه إلى أن الثقافة التركية خلال الفترة العثمانية لم تكن منتشرة قبل وصول محمد علي باشا إلى الحكم في مصر
. ويحاول الكتاب أن يوضح كيف اكتسبت الثقافة واللغة التركية العثمانية كثافة وانتشارًا في مصر مقارنة بالفترة السابقة، نتيجة الاهتمام الكبير وسياسات الابتكار التي اتبعها محمد علي باشا، المحب الكبير لمصر ومؤسس مصر الحديثة. كما يكشف الكتاب أيضًا كيف تشكلت النسخة «العثمانية المصرية» نتيجة هذا التطور الثقافي الذي اتخذ من إسطنبول في البداية نموذجًا في مصر، وكيف ظلت منتجات وتأثيرات هذه الثقافة قائمة حتى يومنا هذا.
وقد تم تبني الثقافة التركية العثمانية في مصر من قبل صفوة من السكان المحليين الناطقين بالعربية، فضلا عن المتحدثين باللغة التركية القادمين من خارج مصر، وذلك بفضل المدارس الجديدة التي تم إنشاؤها والعدد الكبير من الكتب التركية التي أنتجتها المطبعة (مطبعة بولاق). بجهود كبيرة من محمد علي باشا واسرته الكبيرة الحاكمة. وأدى ذلك إلى ظهور الوجه الثقافي “المصري العثماني” إلى جانب الوجه الثقافي “التركي العثماني” في مصر.
يعد هذا المُؤَلَف، الذي يبحث في الوجود الثقافي التركي الذي تطور مع الأتراك الذين يعيشون في مصر والمؤلفات المكتوبة وآثار هذه الثقافة التي بقيت حتى يومنا هذا، هو الأول من نوعه في هذا المجال فيما يتعلق بـ “الاتراك في مصر وتراثهم الثقافي”.
في نهاية الندوة تم عرض الفيلم الوثائقي بعنوان “قدرية” الذي يتناول الأميرة المصرية “قدرية بنت السلطان حسين كامل” والذي شارك في كتابته سفير تركيا بالقاهرة السيد صالح موطلو شن.
وأوضح موطلو شن أن الذكرى الغالية للأميرة “قدرية” ومساهماتها في مصر وتركيا والمجتمعات التركية والمصرية كادت أن تُنسى، إلا أن هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي” هو الذي أعاد تلك الذكرى والمساهمات إلى النور مرة أخرى.
و يتألف الكتاب، الذي نشره أ.د. أكمل الدين إحسان أوغلو عام 2006 تحت عنوان الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي، من ثلاثة أقسام رئيسية: الأتراك في مصر وثقافتهم، ونشر الكتب التركية في مصر، وببليوغرافيا الثقافة التركية المطبوعة في مصر. ولد البروفيسور في مصر وعاش في مصر حتى أنهى تعليمه الجامعي. بدأ إحسان أوغلو عمله الأول في أوائل الستينيات وتمكن من إكمال كتابه نتيجة لأبحاثه في بلدان مختلفة على مدى 40 عامًا.
ويجذب كتاب إحسان أوغلو الانتباه من خلال توفير مصدر مباشر للذين يجرون أبحاثًا حول التاريخ التركي والأدب واللغة والموسيقى والكتب والطباعة والصحافة والخدمة العسكرية والثقافة والسياسة وتاريخ الترجمة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.ومن المواضيع الملفتة في الجزء الأول من الكتاب، في المقام الأول قسم الشاعرات والكاتبات اللاتي نشأن في القصر ومحيطه. وهكذا فقد لفت انتباه مؤرخي الأدب والباحثين إلى الشاعرات والكاتبات اللاتي عشن في مصر، والذي يتم مناقشته بالتفصيل لأول مرة.
أما الجزء الثاني فهو رسم الإطار التاريخي للمكانة التركية في مجال التعليم والخدمة العسكرية، وهو مفتاح محاولات محمد علي باشا الحداثية.
وشرح بدايتها وتطورها ونهايتها، الكتب المدرسية التركية التي تدرس باللغة المصرية المدارس، التعليم التركي في السودان، الأدب العسكري التركي، المصري حركة الترجمة في تركيا، مكانة اللغة التركية وأهميتها في هذه الحركة، وتقييم الترجمات من اللغات الشرقية والغربية.
العنوان الثالث الهام هو التقييم العام للكتب التركية المطبوعة في مصر، أولاً، دار طباعة بولاق وطباعة الكتب التركية لدار طباعة بولاق في فترة محمد علي باشا وفي الفترة التي تلت السلطان الثاني مباشرة. ويتضمن الكتب التي صدرت في مصر في عهد عبد الحميد (1876-1909)، ومنشورات الأتراك الشباب وغيرهم من المعارضين السياسيين، ولمحة عامة عن الكتب التي صدرت في القرن العشرين.يتناول الجزء الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان طباعة الكتب التركية في مصر الموضوع الذي يشكل نقطة الانطلاق لهذا الكتاب، أي دار طباعة بولاق (التي أنشئت بأمر من محمد علي باشا)، والتي يمكن مشاهدتها باعتبارها حجر الزاوية الثاني في تاريخ الطباعة التركية غير المكتوب بعد بعد دار طباعة موتيفريكا (1729. 1822) وطباعة الكتب التركية التي بدأت معها.
ويعتبر الكاتب إن إدراج العناوين في مصادر إحسان أوغلو يوفر أريحية كبيرة للباحثين. تم في هذه الدراسة إنتاج دراسة ببليوغرافية شبه كاملة من خلال مراجعة ومقارنة فهارس المكتبة والببليوغرافيات المتعلقة بالكتب، فضلا عن الاطلاع على غالبية الكتب.تم إجراء مثل هذه الدراسة بدقة من قبل البروفيسور. لقد مهدت الطريق لتقييمات إحسان أوغلو في الفصلين الأولين من كتابه لتكون دقيقة وكاملة وموثوقة.