المثل الشعبى يقول “جوزتها تتاخر راحت وجابت الآخر”، أى أن الأهل يزوجون الفتاة من أجل الخلاص من مسؤوليتها ولقمتها فتعود بهمها وهم زوجها، وأحيانا تجر فى ذيلها أولادها لمنزل أهلها ويكون الأهل بهذه الطريقة تحملوا عبئا كبيرا، ويا فرحة ما تمت.
أسوق كلماتى هذه للتدليل على حال زواج كثير من الفتيات القصّر اللاتى يفرح أهلهن بزواجهن وسترتهن، فيتم الزواج بعقد عرفى مع أخذ إيصال أمانة على الزوج لحين بلوغ الفتاة السن القانونية 18 عاما، وأحيانا يتم الزواج فى سن من 14 إلى 16 أو 17 عاما وعلى الفتاة أو بمعنى أصح “الطفلة” الزوجة الانتظار كل هذه السنوات لإتمام العقد الرسمى وبالتأكيد ستكون أنجبت خلال هذه الفترة طفلين وأحيانا أكثر، وهذه مشكلة أخرى حيث يكون تاريخ ميلاد الطفل سابق لتاريخ عقد الزواج الرسمى.
أعود إلى مربط الفَرَس “إيصال الأمانة” الذى كان إلى وقت قصير وتقريبا من أيّام هو سيف على رقبة الزوج لإلزامه بإتمام العقد الرسمى بعد الزواج العرفى، المفاجأة أن هذا الإيصال لم تعد ذات قيمة بعد حكم محكمة النقض الدائرة المدنية “د” ونصه:
“إيصال الأمانة الصادر كمقابل لضمان إتمام الآثار المترتبة على عقد الزواج لا يصلح سندا للمديونية”، المحكمة بحكمها هذا تصدت لظاهرة إيصالات الأمانة التى تحرر فى عمليات زواج القاصرات عرفيا قبل بلوغها السن القانونية للزواج الرسمى.
والسؤال: لماذا لا يعتد بإيصال الأمانة فى هذه الحالة؟
الإجابة ببساطة أن إيصال الأمانة معنى بوجود دين نقدى أو إحدى المنقولات “أثاث مثلا” استلمه المدين أى “الزوج” فى هذه الحالة ولما كانت الزوجة ليست دينا أو منقول أصبح الإيصال غير ذى قيمة وأسقط ركنا من أركان القضية.
والحل: أن يكون الإيصال موقع من قبل الزوج على دين لمبلغ مالى اقترضه من ولى الأمر وليس ضامنا لإتمام عقد زواج مستقبلا أو لضمان حقوق الطرف الآخر “الزوجة”، وأتصور هنا أن الزوج وإن التزم ووقّع على إيصال أمانة بمبلغ ما على سبيل الدين فهذا ليس حلا لمشكلة كارثية متمثلة فى زواج طفلة وانتهاك براءتها وتدمير مستقبلها وما أكثر ما تجلبه هذه الزيجات من أزمات لأهل الطرفين وأيضا للمجتمع، وها نحن نرى ارتفاع نسب الطلاق، والأطفال بلا أوراق ثبوتية، والانفجار السكانى الذى أحد وأكثر أسبابة الزواج المبكر الذى لابد وأن تتصدى له الدولة من خلال قانون يشمل أدق التفاصيل، ويجرّم أطراف هذه الجريمة التى تقع فى حق البنات، خصوصا أن القانون الحالى يجرم الممارسة الجنسية مع القاصرات ولا يجرم الزواج بالقاصرات.
وعليه نطالب بسرعة إنجاز وإصدار مشروع القانون الذى وافق عليه مجلس الوزراء مطلع هذا العام وينص على: “لا يجوز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ 18 سنة ميلادية، ولا يجوز التصادق على العقد المذكور، كما أجاز لذوى الشأن أن يقدموا طلباً على عريضة إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفته قاضياً للأمور الوقتية للإذن بتوثيق عقد زواج من لم تبلغ 18 سنة فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد أرقام 267، و268، و269 من قانون العقوبات، بعد صدور حكم نهائى بالإدانة.
وأوجب مشروع القانون على المأذون أو الموثق المنتدب إخطار النيابة العامة، الواقع فى دائرتها مقر عمله، بواقعات الزواج العرفى الذى يكون أحد طرفيه طفلاً لم يبلغ 18 سنة وقت الزواج، والتى تقدم للمأذون بغرض التصادق عليها، مرفقاً بالإخطار صورة عقد الزواج العرفى، وبيانات أطرافه، وشهوده.
ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 200 ألف جنيه، كل من تزوج أو زوَّج ذكراً أو أنثى، لم يبلغ أى منهما 18 سنة، وقت الزواج، وتقضى المحكمة على المحكوم عليه إذا كان مأذوناً أو موثقاً أو وصياً على الطفل بالعزل، وإذا كان ولياً عليه بسبب الولاية.
ويعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بذات العقوبة، ولو لم يترتب على التحريض أثر، ولا يُعد الطفل مسؤولاً مسؤولية جنائية أو مدنية عن هذه الجريمة، ولا تنقضى الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة، بمضى
المدة، كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6أشهر، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه، والعزل، كل مأذون أو موثق منتدب خالف نص المادة (2) من هذا القانون، الخاصة بالإخطار عن واقعات الزواج العرفى الذى يكون أحد طرفيه طفلاً.
مشروع القانون المطروح والذى ينتظر خروجه إلى النور مع تعديلات قوانين الأحوال الشخصية بات مطلبا ملحا حماية لبناتنا من جوازة ندامة بإيصال أمانة لم يعد ضامنا لحقوقها أو تعويضا لانتهاك آدميتها.