مرة أخرى نعود إلى قصص القرآن الكريم والنماذج النسائية العظيمة التى ذكرها المولى عز وجل فى كتابه وكن صاحبات مواقف نبيلة مع أزواجهن، نساء صابرات، كريمات كن خير رفيق وقت الشدة والضيق.
من بين هؤلاء نتوقف عند السيرة العطرة لزوجة النبى موسى “كليم الله” – ومعنى اسم موسى “الذى تم انتشاله من الماء” – حينما ذهب موسي إلى مدين هربا وخوفا من البطش به بعد أن استغاث به رجل من قومه على رجل آخر فوكزه موسي فمات ولم يكن يقصد قتله ولما تكرر نفس المشهد فى الْيَوْمَ التالي وسمع الرجل يقول له اتريد قتلى كما قتلت نفس بالامس آفاق موسي وفر هاربا خوفا من البطش به.
وهنا تكمن حكمة المولى عز وجل فى هروب موسي لتبدأ قصته فى رحلة الذهاب مع صفورا ومعناها ” العصفورة ” التى تزوجها ثم اللقاء العظيم عند الشجرة المباركة فى طور سيناء وتكليفه من المولى عز وجل بالنبوة ونزول الكتاب المقدس “التوراة”.
شاهد نبي الله موسي عند بئر مدين فتاتين تقفا بعيدا عن البئر بجانب غنمهم حتى ينتهى الرعاة من سقاية أغنامهم وكانتا تجدا مشقة كبيرة فى رفع الحجر من فوق فوهة البئر حيث كان الرجال يغلقوا البئر بعد انتهاء السقاية غير مبالين بالفتيات ولما شاهدهم موسي لا يسقون أغنامهم سأل:- “ماخطبكما ، قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير” فقام ورفع الحجر ووفر لهما ماء للشرب وسقي أغنامهم ثم سار إلى الظل فشكر ربه على نعمه واشتكى إليه فقره وعوزه.
اندهش الأب لعودة بناته بهذه السرعة ولما عرف القصة طلب من احداهما الذهاب لاستدعاءه ليجزيه على عمله.
كعصفورة محلقة فى السماء ، أطلقت جناحيها فى الهواء الطلق وحطت مرة أخرى عند موقع البئر حيث يجلس موسي وأبلغته “إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا”.
وكانت قد أشارت على أبيها قبل ان يأمرها بالذهاب إلى موسي بقولها “يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين”، فقال: يا بنية ما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة رجال، وأما أمانته: فقال: امشِ خلفي وانعتي لي الطريق، فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك ، ولما جاء موسي والتقى الشيخ الصالح اتفقا على الزواج بابنته على ان يعمل لديه عشر سنوات وبالفعل تزوج صفورا وأنجب ولدين “جرشوم وإليعازر” والأول يعنى اسمه غريب المولد وكانت زوجته تتمتع بالحياء وها هو المولى عز وجل يقول فى سورة القصص: “فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ” صدق الله العظيم كما كانت تكرم الضيوف والاغراب والحكمة فى إعطاء المشورة الصائبة وهى التى قدمت تحليلا شافيا كافيا عن شخصية موسي بعد تصرفه معها وأختها ، وفراستها وعنها يقول ابن مسعود :- أفرس الناس ثلاثة: بنت صاحب مدين حيث قالت : “يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} وامرأة العزيز حيث قالت: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وأبو بكر حيث استخلف عمر ابن الخطاب .
كانت جميلة، مؤمنة وصابرة صدقته وتحملت مع نبى الله اثناء نبوته الكثير من الصعاب والمخاطر وكانت تسانده وتشد من ازره، شهدت معه رحلة العودة من مدين وبداية نبوته ولقاءه فرعون وتعرضه وقومه لمؤمراته ثم الهروب من مصر ومافعله قومه معه خلال لقاءه المولى عز وجل.
أن فى قصة صفورا ونبى الله الكثير من الدروس والعظات عمل لدى والدها وعندما قضى الأجل أى أتم الاتفاق طلب منها أن تستأذن أبيها فى اصطحاب عدد من الأغنام تعينه فى رحلة العودة فما كان من الأب الكريم إلا أن قدم لهما كل الأغنام التى ولدت خلال العام، ذهب هاربا إلى مدين بالشام قاطعا مسافات كبيرة فى رحلة شاقة ليلتقى شريكة حياته التى دعمته لما رأته فيه من شهامة وحسن الخلق والقوة والحماية، وبعدها كان اللقاء الأعظم والارتقاء إلى أعلى المراتب بالكلام المباشر مع الله.
لقد حظت العصفورة بزواجها من نبي الله موسي وحظى موسي بزوجة تتمتع بالحياء وهو وصف من اعظم الخلق.