لواء د. سمير فرج
بدأت روسيا هجومها علي أوكرانيا يوم الرابع والعشرون من فبراير الماضي، وجاء هدف العملية الهجومية الروسية في البداية بعد رفض أوكرانيا طلب روسيا بعدم الانضمام لحلف الناتو ونصب أسلحة من هذا الحلف علي الحدود الروسية وبالطبع كان ذلك تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت هذا الفكر في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، عندما قام الاتحاد السوفيتي بنصب صواريخ نووية في كوبا علي حدود الولايات المتحدة ورفض الرئيس الأمريكي آنذاك جون كينيدي وجود هذه الصواريخ علي الحدود الأمريكية، وكاد أن يدمر دولة كوبا لولا قيام الاتحاد السوفيتي بسحب صواريخه من كوبا.. هذه الأزمة استمرت 14 يوماً والآن يتكرر نفس الفكر مع اختلاف أوضاع الدول المتحاربة.
ومع بدء الهجوم الروسي علي أوكرانيا في فبراير الماضي، نجحت روسيا في تدمير البنية العسكرية التحتية الأوكرانية خلال العشرة أيام الأولي من الهجوم، حيث تم تدمير قواتها الجوية وقواعدها العسكرية ومراكز القيادة والرادارات وعناصر الدفاع الجوي بعدها بدأت روسيا ف يالهجوم علي أوكرانيا من أربعة اتجاهات.. الأولي من اتجاه شبه جزيرة القرم في اتجاه خيرسون، والاتجاه الثاني من الجمهوريتان الانفصاليتان لوغانسيك ودونتيسك، والاتجاه الثالث من خاركيف شمالاً، والاتجاه الرابع الي العاصمة كييف، ولأن القتال في المدن هو أصعب أنواع القتال للجيوش النظامية لذلك بعد أن فقدت القوات الأوكرانية قواتها القتالية اتجهت لقتال القوات الروسية في المدن وهذا القتال يحقق للقوات الأوكرانية أكبر تدمير للقوات الروسية المهاجمة ويحقق أيضاً تقدم بطئ للقوات الروسية وبالفعل نجح ذلك الاسلوب خصوصاً في اتجاه هجوم القوات الروسية الي العاصمة كييف.
وبالطبع تعثر تقدم القوات الروسية المهاجمة هناك، كذلك ظهر للمخطط الروسية أن استيلاء روسيا علي العاصمة كييف يعني سقوط النظام الأوكراني وسقوط الرئيس الأوكراني زيلينسكي وهو رئيس منتخب من الشعب الأوكراني وأن وجود رئيس آخر غير منتخب سوف يضع روسيا في موقف حرج اذا وقعت اتفاقية سلام مع الرئيس الغير منتخب.. من هنا بدأت القوات الروسية تغيير اتجاه هجومها الرئيسي في اتجاه شرق أوكرانيا في اتجاه خيرسون وماريوبول ودونتيسك ولوغانسيك، وبالفعل نجحت القوات الروسية في الاستيلاء علي ماريوبول متتبعة سياسة الارض المحروقة وهو تدمير المدن الأوكرانية بالكامل باستخدام القوة النيرانية الهائلة للجيش الروسي وخاصة الصواريخ البلاسيتية التي قدمها الروس لأول مرة في هذه المعركة مثل صواريخ “كينجال” و “اسكندر ” و”كاليبر”، أما أمريكا وحلف الناتو قد قدموا صواريخ “ستينجر” المضادة للدبابات والطائرات وكلها ذات مدي قصير في حدود 3-6 كم، وكلها أسلحة دفاعية كان هدف أمريكا إطالة مدة الحرب لاستنزاف روسيا وعندما طلبت أوكرانيا من الولايات المتحدة صواريخ باليسيتية بعيدة المدي اعلن الرئيس الامريكي جو بايدن رفضه هذا الطلب واعتقد أن أمريكا بهذا القرار كانت ذكية للغاية لأنه معني وصول صواريخ بعيدة المدي لأوكرانيا وتهدد بها العمق الروسي سوف يدفع أعمال القتال في الفترة القادمة الي شكل آخر حيث سيكون الرد الروسي عنيفاً في حالة تهديد عمق بلاده.
وعلي الطرف الآخر جاءت هناك مفاجأة لم يتوقعها الجميع وهو اعلان كل من فنلندا والسويد طلبهم للانضمام الي حلف الناتو وهذا يعني أن روسيا سوف يصبح لها حدود جديدة مع الناتو 1300 كم علاوة علي الحدود القديمة 700 كم وهذا بالطبع كانت صدمة للقيادة الروسية واعتقد أنها أحد نتائج هذه الحرب الروسية الأوكرانية أن حلف الناتو أصبح 32 دولة، وطبقاً لتقديراتي الشخصية فاعتقد أن فنلندا ستكون من الذكاء أن تطلب الدخول في حلف الناتو لضمان حمايتها ضد أي غزو روسي محتمل لأراضيها لكن في الوقت نفسه اعتقد أنها ستطلب عدم وجود قواعد عسكرية أو أسلحة لحلف الناتو علي أراضيها واعتقد أن ذلك قد يرضي القيادة الروسية الي حد ما أو علي الاقل لا يثيرها في التوقيت وحالياً تركز القوات الروسية سرعة احتلالها لاقليم دونباس شرق أوكرانيا لاستكمال السيطرة علي باقي أراضي الجمهوريتان الانفصاليتان.
وبعد نجاحها في الاستيلاء علي ماريوبول وأصبح بحر آزوف تحت سيطرتها لذلك من المنتظر أن تتقدم لاحتلال مدينة أوديسا والتي باحتلالها تكون سيطرت علي البحر الأسود وتحرم أوكرانيا من أي موانئ لها وتصبح دولة لاشاطئية وبعدها يمكن أن تتحول في هجومها في اتجاه العاصمة كييف مرة أخري لاسقاط النظام في حالة رفضه الدخول في مفاوضات سياسية حيث تهدف روسيا علي منصة المفاوضات الي تحقيق خمس أهداف أولاً إعلان أوكرانيا أنها دولة حيادية، ثانياً تعلن عدم انضمامها الي حلف الناتو أو أي حلف عسكري آخر، وثالثاُ الاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم الي روسيا، ورابعاً الاعتراف باستقلال الجمهوريتان لوغانسيك ودونتيسك وخامساً عدم تحولها الي دولة نووية.
وعلي المستوي الاقتصادي ورغم محاولات الغرب منع دول الاتحاد الاوروبي من استيراد الغاز الطبيعي من روسيا، فلقد فشل الاتحاد في تحقيق ذلك خاصة دولة المجر واستمرت دول أوروبا في استيراد الغاز الروسي حتي الآن ورغم الاعلان مؤخراً أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تنهي تعاملها باستيراد الغاز من روسيا مع بداية العام القادم إلا أنني أشك في ذلك لاعتبارات عديدة أن استيراد غاز طبيعي من دول غير روسيا يعني استيراد غاز مسال LNG وهذا يتطلب محطات إسالة للدول الأوروبية وهو أمر يحتاج الي أموال كثيرة وأكثر من عام لإنشاء هذه المحطات ورغم القيود الاقتصادية التي وضعتها أمريكا وبريطانيا علي روسيا لكن جاءت النتائج لتقول أن الروبل الروسي حقق زيادة أكثر مما كان قبل عملية الهجوم في فبراير الماضي خاصة عندما نفذ بوتن ضربته الاقتصادية للرد علي العقوبات الأمريكية بأن يكون تحصيل ثمن شراء الغاز الروسي بالروبل وليس بالدولار ومازالت البنوك الروسية تستقبل ثمن الغاز الطبيعي من دول أوروبا رغم إعلان أمريكا ايقاف التحويلات البنكية باسلوب السويفت ولكن هذا القرار لم يتم تنفيذه حتي الآن مما جعل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية ضد روسيا غير مؤثرة علي الاقتصاد الروسي وزاد من الأمر قيام الهند وهي حليفة طبيعية لأمريكا أن عقدت صفقات لاستيراد الغاز الروسي.. وهنا يجب الإجابة علي سؤال يتبادر في اذهان الجميع هل انتصرت روسيا في حربها حتي الآن ضد أوكرانيا وتكون الإجابة واضحة نعم لأنها حققت الهدف من الحرب وهو منع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو وإعلانها دولة محايدة وهذا ما اعلنه الرئيس الأوكراني زيلينسكي بعد شهرين من القتال كذلك نجاحها في التصدي للعقوبات الاقتصادية حتي الآن.. عموماً يجب أن ننتظر ما ستفسر عنه الأيام القادمة من نتائج هامة لهذه الحرب التي أثرت علي العالم معا وليس علي روسيا وأوكرانيا فقط.