هل سبق وشاركت في اختبارات الصفات الشخصية التي تنشرها العديد من المواقع والتي تعدك دائما بوصف دقيق لخصالك الشخصية بعد الإجابة على مجموعة من الأسئلة؟ ينتظر الكثيرون بفارغ الصبر النتيجة التي تظهر على الشاشة بعد الإجابة على الأسئلة ويميل الكثيرون لتصديقها، فما السبب وراء هذا “الاعتقاد الزائف” بصدق هذه الاختبارات؟
يرجع الأمر بشكل كبير إلى ما يُعرف بـ “تأثير بارنوم أو فورر” الذي يفسر السبب وراء اعتقادنا بأن توقعات الأبراج وغيرها من الاختبارات النفسية غير العملية، صحيحة.
ما هو “تأثير بارنوم”؟
يتسبب “تأثير بارنوم” في اعتقاد الناس خطأً بأن الأوصاف المعممة مثل التي تظهر لك في الكثير من المواقع الالكترونية، دقيقة رغم أنه يمكن أن تنطبق على أي شخص. وقد أطلق على هذا الأمر “تأثير بارنوم” نسبته إلى الأمريكي بي . تي . بارنوم الذي عاش في القرن التاسع عشر وذاع صيته في الترويج للخدع والمقالب.وقد يقنعنا التأثير النفسي لهذه النظرية بأن الشخص الذي يقف وراء توقعات الأبراج صادق بل ربما نظن أنه يمتلك قوى خارقة للطبيعة.
تجربة فورير
في خمسينات القرن الماضي، أجرى عالم النفس الأمريكي برترام فورير تجربة على طلابه تقوم على نفس نهج التقييمات النفسية المزعومة حيث كان يعتمد على توقعات الأبراج في الصحف في حينه مثل “هل تشعر بالحب والرغبة في معرفة الأخريين؟ وغيرها”.وأبلغ فورير الطلاب بأنه سوف يُعطيهم الوصف الحقيقي لشخصية كل واحد منهم بناء على مدى تطابق شخصيتهم مع الأوصاف السابقة، لكنه لم يفعل ذلك بل أعطى الطلاب ورقة تضم نفس الكلام بمعنى أنها نفس وصف الشخصية بشكل تام دون تغيير
وعندما حصل الطلاب على هذه الورقة التي تظهر نتائج الاختبار، طلب منهم فورير رفع أيديهم إذا كانوا يعتقدون أن الأمر كان صحيحا في وصف شخصياتهم. وفوجئ فورير عندما لاحظ أن كل الطلاب قاموا برفع أيديهم.وبعد ذلك، قام عالم النفس الأمريكي بقراءة إحدى الأوراق بصوت عال، لينفجر الطلاب في الضحك حيث كانت كافة الأوراق متشابهة.
وعلى وقع ذلك، أدرك فورير السبب وراء مدى سهولة خداعنا عن طريق الاختبارات النفسية وشخصية غير علمية وتوقعات الأبراج.
السبب وراء هذا التأثير؟
يعود السبب وراء نجاح “تأثير بارنوم” في خداعنا إلى عمومية هذه الأوصاف وأنها أوصاف عامة يمتلكها جميع البشر بدرجات متفاوتة إذ أن الأمر لا يعتمد على هل نمتلك مثل هذه الخصائص والأوصاف وإنما على مدى امتلاكنا لها فعلى سبيل المثال عبارة: أنت انطوائي وأحيانا اجتماعي” تشبه عبارة “انت تمتلك قلبا ورئتين.”
كذلك، يمكن أن نكون في حالة خجل في بعض الأوقات، لكن هناك بعض الأشخاص يعانون من القلق الاجتماعي بمعنى هناك فارق بين من يشعرون بالخجل وبين من هم قادرون على التغلب عليه والتمثيل على خشبة المسرح.وقال عالم النفس الأمريكي فورير عام 1949 في ورقة تصف نتائج تجاربه: “الفرد يعد تكوينا فريدا من صفات يمكن العثور عليها في جميع الأفراد، لكن بدرجات متفاوتة”.
التحقق الذاتي
يوجد أيضا عامل آخر يلعب دورا في نجاح “تأثير بارنوم” في خداعنا يتمثل في حقيقة مفادها أن الناس تميل بشكل عام إلى تفضيل الأفكار أو العبارات الإيجابية والأوصاف الشخصية الجيدة وترفض في المقابل الأفكار السلبية والأوصاف الشخصية السيئة.يُطلق على هذا التحيز الإدراكي “التحقق الذاتي” والذي يحدث عندما ندرك أن هناك صفتان مرتبطتان رغم أنهما غير مرتبطين.
وقد أعطى الفيلسوف البريطاني ديفيد جونسون تفسيرا لهذه الظاهرة في كتابه “الحجج السيئة” حيث رسم جونسون حوارا بين من يدعي أنه يسمع أصوات الموتى وإحدى الحضور:المنجم: “أشعر أني أسمع صوت اسم يبدا بحرف “السين” ربما كان اسم أب”.
أحدى الحضور: “لقد مات زوجي سام للتو. أنا وولديه نفتقده.”
المنجم: نعم لقد أخبرني سام أنه أيضا يفتقدك ويفتقد أولاده”.وفي شرحه لهذه الحالة، يقول جونسون إن هذا المنجم يعتمد على “تأثير فورير” لخداع الآخرين للاعتقاد بأن شيئًا “سحريا أو خارقا” يحدث.
كيف تصدق عقولنا ذلك؟
يعد “تأثير بارنوم” مثالا واحدا على “التحيز الإدراكي” أو العقل الباطن الذي غالبا ما يسيء تفسير الواقع وقد يزيد معدل “التحيز الإدراكي” لجعلنا نقع تحت تأثير هذه الأفكار أو حتى الأوصاف العامة لدرجة تجعلنا نصدق المعلومات الخاطئة أو نبحث في الصحف عن الأخبار والمقالات التي تؤكد مواقفنا.خلاصة القول،
يقول الباحثون إن إدراك مثل هذه الأمور خاصة عامل “التحيز الإدراكي” يعد أفضل طريقة لتجنب الوقوع ضحية للمنجمين والعرافين وغيرهم.