22 أكتوبر الذكري الأولي لتعامد الشمس علي قدس أقداس معبد أبو سمبل الكبير.

دكتور / محمود حامد الحصري مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة – جامعة الوادي الجديد

ظاهرة تعامد الشمس على معبد أبو سمبل الكبير

    كانت ظاهرة التعامد على معبد أبو سمبل الكبير تحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير من كل عام وذلك قبل عام 1964م، إلا أنه بعد نقل معبد أبو سمبل بعد تقطيعه لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي في بداية الستينيات من موقعه القديم، الذي تم نحته داخل الجبل إلى موقعة الحالي، أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير بفارق يوم واحد.

   حيث تتمثل ظاهرة تعامد الشمس في سقوط أشعة الشمس مباشرة على تمثال الملك “رعمسيس” الثاني وتماثيل الآلهة الأخرى داخل قدس الأقداس في المعبد الكبير مرتين في السنة، في يومي 22 فبراير و22 أكتوبر. وتستمر هذه الظاهرة لمدة حوالي 20 دقيقة. وقد تم تصميم المعبد بدقة متناهية بحيث تتزامن هذه الظاهرة مع أعياد دينية هامة لدي المصريين القدماء.

   وقد أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير، وذلك لتغير خطوط العرض والطول بعد نقل المعبد 120 متراً غرباً وبارتفاع 60 متراً، حيث تدخل الشمس من واجهة المعبد لتقطع مسافة 60 متراً لتصل إلى قدس الأقداس لتضيء ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة في داخله صانعة إطاراً حول التمثالين بطول 355 سم وعرض 185 سم : وهم تمثال “رع حور آختي” إله الشمس، وتمثال “رعمسيس” الثاني نفسه الذي يتساوى مع تمثال الإله، وتمثال “آمون” سيد طيبة في تلك الحقبة، أما التمثال الرابع للإله بتاح رب منف وراعي الفن والفنانين وإله العالم السفلي فلا تصله أشعة الشمس، لأنه لابد أن يبقى في ظلام دامس مثل حالته في العالم السفلي.

ذكرى تعامد الشمس على أبو سمبل إعجاز هندسي وفلكي

   هذا الحدث يعتبر فريداً من نوعه، حيث يمثل إنجازاً عظيماً للهندسة المعمارية والفلكية ويؤكد على عبقرية الحضارة المصرية القديمة. فبناء معبد ضخم من الحجر الرملي بهذا الشكل في قلب الصحراء، وعلى حافة نهر النيل، مع مراعاة هذه الحسابات الفلكية الدقيقة، يعتبر إنجازاً هندسياً لا يزال يدهش العلماء والمهندسين حتى يومنا هذا. حيث تمكن المصريون القدماء من حساب حركة الشمس بدقة متناهية، بحيث تتساقط أشعة الشمس مباشرة على تمثال الملك “رعمسيس” الثاني في يومي 22 أكتوبر و22 فبراير من كل عام. وكانت هذه الظاهرة تحمل دلالات دينية ورمزية مهمة لدى المصريين القدماء، حيث ارتبطت بعودة الحياة والخصوبة لأنها مرتبطة بالزراعة في المقام الأول.

لماذا تم نقل المعبد من مكانه ؟

   تم نقل المعبد لحمايته من ارتفاع منسوب المياه بسبب بناء سد أسوان العالي. وعلى الرغم من النقل، إلا أنه تم الحفاظ على زاوية سقوط أشعة الشمس بشكل دقيق لضمان استمرار حدوث هذه الظاهرة الفريدة. حيث تعتبر ظاهرة تعامد الشمس على معبد أبو سمبل واحدة من أبرز الظواهر الفلكية التي حيرت العلماء والباحثين على مر العصور.

مكتشف معبدي أبو سمبل ومكتشف ظاهرة التعامد

   معبدي أبو سمبل تم اكتشافهما في الأول من أغسطس عام 1817م عندما نجح المستكشف الإيطالي “جيوفانى بيلونزى”، في العثور عليهما بين رمال الجنوب. أما بالنسبة لظاهرة التعامد فتم اكتشافها عام 1874م عندما رصدت المستكشفة “إميليا إدوارذ” والفريق المرافق لها هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها المنشور عام 1899م بعنوان “ألف ميل فوق النيل”. حيث تبقى المعجزة في أن يومي تعامد الشمس مختاران ومحددان عمداً قبل عملية النحت، مع ما يستلزمه ذلك من معرفة تامة بأصول علم الفلك وحسابات أخري كثيرة لتحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق بجانب المعجزة في المعمار بأن يكون المحور مستقيم لمسافة أكثر من ستين متراً ولا سيما أن المعبد منحوت في الصخر.

حيث تستغرق ظاهرة تعامد الشمس حوالي 20 دقيقة وقد تصل في بعض الأحيان إلي 25 دقيقة وهناك روايتان لسبب تعامد الشمس وهما :

الرواية الأولى: هي أن المصريين القدماء صمموا المعبد بناء على حركة الفلك لتحديد بدء الموسم الزراعي وتخصيبه، والأخر لبدء موسم الحصاد.

الرواية الثانية: هي أن هذين اليومين يتزامنان مع يوم مولد الملك ر”عمسيس” الثاني ويوم جلوسه على العرش ولكن هذه الرواية غير صحيحة.

معابد أخري تتعامد عليها الشمس بخلاف معبد أبو سمبل الكبير

   نلاحظ أن عدد المقاصير والمعابد المصرية القديمة المسجلة أثرياً على مستوى جمهورية مصر العربية يقارب حوالي 330 معبداً ومقصورة, منهم فقط عدد 27 معبداً ومقصورة الذين تتوجه الزاوية الأفقية لمحاورهم الرئيسية نحو محور الشرق الحقيقي, وأغلب تلك المعابد والمقاصير اقترنت بالمجموعات الهرمية لملوك الدولة القديمة على خلاف معبد “أبو سمبل” المنتسب إلى معابد الدولة الحديثة، ونلاحظ أن الشمس تتعامد بشكل دوري على 14 معبداً مصرياً  قديماً – وليس معبد أبو سمبل وحده، حيث تتعامد أشعة الشمس على معابد متعددة مثل : أبو سمبل، والكرنك، وحتشبسوت، وهيبس وقصر قارون، وغيرها من المعابد المصرية القديمة، وهذا في حد ذاته ليس بالصدفة، إنما يرجع إلى الدراية الكاملة لقدماء المصريين بعلوم الفلك وبخاصة حركة الشمس الظاهرية في السماء، وهي في مضمونها تعتمد على أن الشمس في شروقها وغروبها تمر على كل نقطة خلال مسارها مرتين في السنة، حيث أن التعامد يكون على مكان بعينه عند شروق الشمس وينحرف بمقدار ربع درجة تقريباً يومياً ذهاباً إلى أقصى الشمال الشرقي حتى 23,5 درجة صيفاً، ثم إياباً إلى أقصى الجنوب الشرقي حتى 23,5 درجة شتاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *