ممر شرفى

بقلم / ماجدة محمود

كفانا الحديث عن السلبيات وتداول الشائعات هنا وهناك، أحاديث الفيس بوك وتويتر الممزوجة بالتطاول وأحيانا الشتائم، والذم، وهتك الأعراض، لم تكن يوما من شيم الشعب المصرى.

.المصرى.. محب للنكتة، وللحياة، هاوٍ للغناء والشعر، يتغنى إذا فرح، ويردد الموال إذا حزن، لم يكن يوما جارحا، أو متطاولا، أو حتى شامتا!ماذا حدث للشخصية المصرية، ومن الذى أحدث بها كل هذا التجريف فى مضمونها ومعانيها وصفاتها الجميلة؟.. كل هذه التساؤلات تلاحقنا منذ سنوات، وتحديدا منذ أن أطلت علينا وسائل التواصل الاجتماعى “أقصد وسائل قطع الوصال والترابط الاجتماعى والأخلاقى”.

ولأن الأشياء لابد وأن تعود لأصلها وإن عادت على استحياء وبخطوات بطيئة إلا أن الأمل فى العودة إلى الأصول والأخلاقيات النبيلة يجب أن يظل قائما، وأن نكون على يقين بأن دوام الحال من المحال، وهذا الحال المائل لابد وعن يوم يرد إلى أصله.

أسوق كلماتى هذه بعد متابعة لعدد من المشاهد الإيجابية حدثت على مدار الشهور الماضية تمثلت فى “رد الجميل”، نعم فالخير يقابل بمثله، وهذا ما حدث مع أستاذ كلية الطب، ومدير إحدى المدارس وطالب بإحدى الجامعات، ففى لفتة كريمة نبيلة نظم الطلاب والطالبات ممرا شرفيا ردا لجميل.

3 مشاهد من بين مشاهد كثيرة أعرضها فى هذا المقال تأكيدا للمعنى الذى ذكرته سالفا، وهو أن المعدن المصرى الأصيل مهما تعرض لمتغيرات لا بد وأن يعود لأصله.المشهد الأول لمعلم أدرك تماما أن رسالته لا تقف عند حدود مدرج الجامعة، بل تتعداه إلى الدعم النفسى والإنسانى وتشكيل الشخصية الطلابية، وبطله الدكتور أحمد مصطفى كمال، رئيس قسم التشريح بكلية الطب جامعة الدلتا، والبالغ من العمر 76 عاما.

ظل طوال عمره داعما ومساندا لطلابه فى كل المواقف ليست العلمية والعملية فقط، بل أيضا فى الأزمات والمواقف الإنسانية التى تتطلب الأب قبل المعلم.

الدكتور “أحمد” فوجئ باصطفاف الطالبات والطلاب أمام مبنى التشريح بالجامعة، الورود والامتنان كانا سيدا الموقف تعبيرا عن الشكر والعرفان.

المشهد الثانى، كان فى مدينة فايد بالإسماعيلية، عندما وقف طالبات مدرسة السلام الإعدادية تقديرا وإجلالا لرحلة عمرها 33 عاما بدأت عندما عمل مستر “سليمان عيد” مدرسا للرياضيات، وظل يتدرج فى السلم الوظيفى إلى أن أصبح مديرا للمدرسة، لم يشغله عمله الإدارى عن رسالته العلمية التى بدأها مدرسا، فكان يساعد الطالبات فى شرح ما يصعب عليهن فهمه، ليس هذا فقط، بل كان أبا يستمع لمشاكلهن ويقدم الحلول لها، ويتدخل فى حلها إذا تطلب الأمر؛ ولهذا كان لا بد من مشهد التكريم الذى أبكاه وأبكى الجميع وهو يختتم حياته العملية بخروجه على المعاش.

المشهد الثالث والأهم، وهو لأحد طلاب جامعة الزقازيق، وأقول إنه الأهم؛ لأن المعلم وأستاذ الجامعة رسالتهم التعليم والشرح أما الطالب فهمه الأول والأخير أن يركز مع نفسه ودراسته وأحلامه، ولهذا عندما نجد من يفكر فى زميلاته وزملاؤه فالمشهد هنا بالتأكيد يكون مختلفا ومميزا.

طالب الصيدلة “أحمد رمضان” من المتفوقين على دفعته لم يبخل بما وهبه الله له من ذكاء، ووفره فى العلم، فكان يساعد الدفعة بالشرح نظريا وعمليا، وأيضا بالرأى والمشورة فى ما يواجههم من مشاكلات أو أزمات، دعمه لهم دفعهم للنجاح وتقديرا لأدبه وإنسانيته كان الممر الشرفى فى نهاية العام الدراسى مع صحبة ورد تجمع كل ألوان الحب والصفاء والامتنان من نصيبه.

ما ذكرته سالفا يلخص رسالة غاية فى البساطة، وهى: الحب والعطاء، والاعتراف بالجميل.. أن نتذكر للآخر “كلمة حلوة”، موقف داعم فى لحظات ضعف أو أزمة، وأن نكون الكل فى واحد، ولهذا نحن بحاجة إلى كثير من الممرات الشرفية لكل من يمد يد العون لنا ولو فى موقف بسيطة، نريد أن يقدر بَعضُنَا بعضا، مطلوب ممر شرفى لكل أم وأب قدما من شبابهم وأعصابهم الكثير.. ممر شرفى لأخت أو أخ هما السند فى الحياة، لصديق أو صديقة أخلصوا فى صداقتهم، نريد ممرات شرفية تعظم وتبرز سلوكياتنا الحميدة.

ولنبتعد عن الانزلاق فى ممرات مظلمة لا يعلم خطورتها إلا الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *