في واحدة من المبادرات التي تسعى إلى التقارب بين الثقافات ومد جسور التواصل بين الشعوب يأتي مشروع “الفستان الأحمر”، الذي نفذته فنانة بريطانية على مدار عقد كامل من الزمن جابت خلاله العالم للحصول على قطع القماش الأحمر لتعود محملة بقصص وثقافات متنوعة حيكت بأنامل النساء ليشكل الفستان في النهاية بعد اكتماله هذا العام معزوفة فنية يعزفها العالم أجمع تخلق حواراً فنياً بين الثقافات،
وتزيل الحدود بين الدول بمزج مفرداتها الثقافية في تناغم على الفستان.ليس فقط حب التطريز هو ما دفع الفنانة البريطانية كريستي ماكليود إلى تبني فكرة “الفستان الأحمر”، ولكن رغبتها في منح النساء، خصوصاً المهمشات اللاتي يواجهن ظروفاً صعبة، صوتاً يسمعه العالم وفرصة للتعبير عن أنفسهن من خلال الخيوط والإبرة اللتين أبدعن بهما حكايات مستوحاة من حياتهن والبيئة التي يعشن فيها، فبحسب تعبيرها، فقد رغبت أن يمثل هذا الفستان منصة للنساء من كل أنحاء العالم للتعبير عن أنفسهن، فشاركن في تطريز الفستان ناجيات من الحرب الأهلية في كوسوفو ورواندا، ولاجئات فلسطينيات، ومتعافيات من العنف، ونساء فقيرات شكل الأجر الذي حصلن عليه مقابل التطريز محاولة للتحسين من وضعهن.
جاب الفستان القارات في رحلة العشر سنوات فمن جنوب شرقي آسيا إلى قلب أفريقيا، ومن أميركا اللاتينية إلى دول عربية، ومن أوروبا إلى أستراليا، طُرز الفستان في 28 دولة تمثل الثقافات المختلفة للعالم بأيدي 202 سيدة، وعرض في عدة معارض فنية حول العالم منها معارض في “باريس، ولندن، والمكسيك، ودبي”.
البداية
استمرت رحلة الفستان حول العالم على مدار عشر سنوات ليعود في النهاية محملاً بتجربة فنية ثرية وبقصص وحكايات لنساء من بلدان مختلفة فرقتهن اللغة والثقافات وجمعهن حب التطريز، تقول الفنانة كريستي ماكليود “تنقلت وأنا طفلة بين بلدان مختلفة وعشت بين ثقافات متناقضة شكلت جزءاً من تكويني وشخصيتي، وجعلتني أتساءل كيف سيكون شكل قطعة فنية يشترك فيها كل ثقافات العالم وتتنقل بين البلدان لتعكس هويات وثقافات متنوعة. ومن هنا جاءت الفكرة، ولم أجد أفضل من النساء ليعبرن عن ثقافات الشعوب؛ أردت أن يقول الفستان للعالم: إننا جميعاً واحد، ويمكن أن يكون لنا صوت مشترك على الرغم من أنه لا تزال هناك حدود، ولا يزال التحيز والتمييز سائدين على مستويات عدة في كل أنحاء العالم”.
تضيف “في النهاية كل البشر لديهم الاحتياجات الأساسية والرغبات والغرائز ذاتها، كما تجمعنا الحاجة لأن نشعر بالحب والأمان، وأن يُستمع إلينا، ومع انتهاء الفستان شعرت بأني نجحت في ذلك، وأنه يمثلني، ويعكس جزءاً من تكويني الذي يجمع بين ثقافات متنوعة”.
تناغم بين الثقافاتليست مجرد وحدات زخرفية وخيوط متشابكة، ولكن كل منها يحمل قصة ويمثل جزءاً من العالم، فوحدات الزهور الهندية التي تناغمت مع الطيور الزاهية الألوان التي طرزتها نساء كمبوديا، لتدمج مع وحدات زخرفية نفذتها أفريقيات، وزهور بخيوط مذهبة طرزت بأنامل نساء فرنسيات، كلها في النهاية أصبحت وحدة واحدة وكأنها لغة عالمية يتحدثها الجميع، فكيف أمكن دمج كل ذلك في وحدة واحدة ليظهر بهذا التناغم، تشير ماكليود، إلى أن هناك خيوطاً مشتركة بين المشاركات على الرغم من اختلاف خبراتهن وظروفهن، فبعضهن يعشن في فقر أو يتعافين من آثار الحرب والانتهاكات، بينما أخريات يواجهن أجيالاً من القمع وعدم المساواة، فالنساء المشاركات لم يجمعهن حب التطريز فحسب، ولكنهن على المستوى الأساسي لديهن الاحتياجات والرغبات ذاتها، فهن يعبرن عن قصصهن كأمهات وزوجات وبنات وزميلات وأصدقاء يخضن تحديات الحياة.
تضيف، “لم يكن هناك حدود للإبداع أو توجيهات تفرض عليهن، الخط العريض الوحيد الذي كان مطلوباً منهن هو أن يخلقوا شيئاً يحمل جزءاً من هويتهن سواء الثقافية أو الشخصية، فالبعض ابتكر قطعاً فنية تروي أجزاء شخصية من ماضيهن، والأخريات اعتمدن على التصميمات الزخرفية، بينما اعتمدت أخريات على نمط معين من التطريز تم توارثه لمئات السنين في عائلاتهن أو قريتهن أو بلدهن، والنتيجة كانت مذهلة؛ فبعض النساء أذهلتني مهاراتهن، الفنية والآخر اختياراتهن للألوان والتصميمات. كنت في حالة من الذهول بسبب قدرتهن على سرد قصة من خلال التصميم”.
Very nice write-up. I definitely appreciate this site. Thanks!