لواء دكتور/ سمير فرج
تولت مصر أمر القضية الفلسطينية، دون تخلي، منذ عام ١٩٤٨، بدأتها بمشاركة الجيش المصري في حرب فلسطين، واستمرت، منذ ذلك الحين، في دعم الشعب الفلسطيني، وحقه في أرضه.
ولما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، كان الرئيس جمال عبد الناصر، أول من قدم ياسر عرفات إلى العالم كله. وخلال العقود والسنوات الماضية، كانت أسر معظم القادة الفلسطينيون يتخذون من مصر مستقراً لهم، ولا يشعرون فيها بالغربة. وفي كل مرة اندلعت فيها الاشباكات بين حماس وإسرائيل، كانت مصر تتدخل، على الفور، حتى تنجح في وقف إطلاق النار.
إلى أن جاء يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، الذي اندلعت فيه الحرب، واستمرت لمدة خمسة عشر شهراً، رداً على هجوم حماس على قوات الاحتلال الإسرائيلية، فلم تتراجع مصر عن موقفها، واستمرت في دعمها، ومساندتها، للشعب الفلسطيني، وخاصة لأهالي غزة، الذين زادت معاناتهم، جراء تلك الحرب.
وأتذكر أول زيارة لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى مصر، فور اندلاع الحرب، لطلب مرور العالقين الأمريكيين، والأجانب، في غزة، من خلال معبر رفح، إلى مصر، إلا أن الرئيس السيسي أصر على عدم فتح المعبر لذلك الغرض، إلا بعد مرور قوافل المساعدات الإنسانية لشعب غزة، أولاً. ولا يفوتنا هنا أن نؤكد أن نحو ٨٠٪ من المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى غزة، على مدار خمسة عشر شهراً، قدمها الشعب المصري لأشقاءه الفلسطينيين.
وفي نفس هذا اللقاء، الذي أصّر الرئيس السيسي على إذاعته على الهواء مباشرة، حتى لا يزايد أحد على مواقف مصر، الثابتة، طلب وزير الخارجية الأمريكي من الرئيس السيسي السماح “بنقل” أهالي غزة إلى سيناء، وهو ما رفضه الرئيس السيسي بوضوح، مؤكداً أن ذلك يُسمى “تهجيراً قسرياً” للفلسطينيين من أراضيهم، وتفريغاً لقضيتهم من مضمونها، وإهداراً لحقوقهم.
ولما رد وزير الخارجية الأمريكي بأنهم سبق وأن وعدهم الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، بالسماح بذلك، أجابه الرئيس السيسي، على مسمع ومرأى المتابعين، بأنه رئيس البلاد الحالي، والمسئول عن الحفاظ على أمن مصر وسلامتها، وكذا التعاون مع باقي دول العالم العربي للحفاظ على فلسطين.
وقد استمر رفض الرئيس السيسي، القاطع، لتهجير الفلسطينيين، عندما كرر الرئيس الأمريكي، ترامب، نفس الطلب، فور توليه الحكم بالولايات المتحدة الأمريكية.
بعد شهر من ذلك اللقاء، زار مصر مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، لمناقشة الرئيس السيسي بشأن “اليوم التالي في غزة” وهو مصطلح متعارف عليه، عمن سيحكم غزة بعد انتهاء الحرب، فأكد الرئيس السيسي على حق الفلسطينيون في حكم أنفسهم، بعد خروج إسرائيل من القطاع، وذلك بالتنسيق الداخلي فيما بينهم مع السلطة الفلسطينية في رام الله، دون تدخلات خارجية.
وفي أثناء الحرب، لم تتوقف جهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، بين السلطة في رام الله وحماس، لتوحيد صوتهم وكلمتهم، ودحض حجة المجتمع الغربي بأن الفلسطينيون مختلفون فيما بينهم، والمجتمع الدولي “حائر” فيمن يمثلهم في أي اتفاق بشأن حل القضية، لذا استمرت محاولات مصر لتقريب وجهات النظر بين الطرفين في القاهرة.
ومن ضمن مواقف مصر، بعد غزو إسرائيل لقطاع غزة، واستيلائها على معبر رفح من الناحية الفلسطينية، أن أصرت مصر على عدم فتح المعبر لدخول المساعدات، إلا بعد خروج القوات الإسرائيلية من المعبر، وعودة السيطرة الفلسطينية عليه ، من ناحية غزة، طبقاً لاتفاقية المعابر الموقعة في ٢٠٠٥.
وقد حاولت القوى المعادية الترويج لأن مصر تتسبب في معاناة أهالي غزة، برفضها لفتح المعبر، إلا أن الأيام أثبتت صحة قرار مصر، وموقفها.
وفي شهر أبريل الماضي، كانت مصر أول من تقدم بمقترح لوقف إطلاق النار بين الجانبين، بهدف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بسرعة، بعدما زادت معناة أهالي غزة، بشدة.
وعندما بدأت المباحثات لإيقاف إطلاق النار، كان نتنياهو يضع العراقيل أمام تنفيذه، خوفاً من محاكمته على جرائمه، حتى تولي الرئيس الأمريكي ترامب السلطة، الذي أصدر أوامره بإيقاف الحرب. وهنا بدأت المفاوضات المصرية، المساندة والداعمة للجانب الفلسطيني، ونجحت مصر في تنفيذ كل مطالب أهالي في غزة.
وفي هذا الاتفاق، نفذت إسرائيل المطالب الفلسطينية والمصرية، من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة ومن ممر فيلادلفيا. كذلك تمت الموافقة على طلب مصر بالانسحاب من معبر رفح، وإعادة إدارته للسلطة الفلسطينية، وفقاً لاتفاقية المعابر ٢٠٠٥. كما تم الاتفاق على إدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، وكذلك الاتفاق على عملية إعادة الإعمار.
وعندئذ، أخذت مصر على عاتقها جمع الصف العالمي، والعربي، للقوى المشاركة في إعادة الإعمار، للتعجيل بتوفير حياة كريمة للمواطن الفلسطيني في غزة، خاصة أن معظم احتياجات عملية إعادة الإعمار سيتم دخولها عبر معبر رفح المصري.
ورغم محاولات إسرائيل منع العديد من المساعدات ووضع عراقيل لمنع دخول المساعدات من مصر، بحجة منع دخول أسلحة من مصر عبر القوافل، إلا أن مصر تصدت لتلك المزاعم، بوضع الضوابط، وإحكام تنفيذها، لتفويت الفرصة على إسرائيل، لمنع دخول موارد إعادة الإعمار إلى غزة. كما تم تنظيم مركز عمليات، في القاهرة، لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار.
وهكذا، يتضح أن سياسة مصر، والرئيس السيسي، خلال الخمسة عشر شهراً الماضية، قد حققت لأهالي غزة وقف إطلاق النار، وكان هتاف أهالي غزة لمصر، والرئيس السيسي، يوم إعلان وقف إطلاق النار، أكبر دليل على يقينهم بأن الجهود المصرية تستهدف، دائماً وأبداً، صالح الشعب الفلسطيني.
Email: sfarag.media@outlook.com