في يومها العالمي.. لغة “الضاد” عامرة خالدة عصية على الفناء والاندثار

حمدي المليجي

يحتفل العالم في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية التي تعد ركنا من أركان التنوع الثقافي، وإحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما في العالم.

وتحتفي الأمم المتحدة هذا العام باليوم العالمي للغة العربية، تحت شعار “العربية: لغة الشعر والفنون” حيث اشتهرت اللغة العربية منذ زمن بعيد بمساهمتها في الشعر والفنون فهي لغة ذات قوة راسخة وأبدعت آيات جمالية رائعة تأسر القلوب، فيما يتزامن الاحتفال هذا العام مع الذكرى السنوية الخمسين لإعلان اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة.

ويعد اليوم العالمي للغة العربية منبرا ثابتا للتعمق في مناقشات بشأن تأثير اللغة العربية في تشكيل المعارف، والتحولات المجتمعية من خلال الشعر، فضلا عن تأثيرها في الفنون، مع تعزيز التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات.

ومن جانبه، قال المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد داود الخبير بمجمع اللغة العربية والأستاذ بجامعة قناه السويس “إن اللغة تعد شاهدا على العصر وسجلا للواقع تبرز فيه جوانب القوة والتفوق والتقدم الحضاري مثلما تفضح من سوءات وكذب وتخلف”.

وقال داود – في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الاثنين – “إن اللغة مرآة أهلها، فكما نعرف الأشخاص على حقيقتهم إذا تكلموا، فهكذا المجتمعات والدول نعرفها على حقيقتها من مستوى لغتها”.

وأضاف أن اللغة هي الهوية، هي الأصالة.

وازدهار لغة ما دليل على تماسك أهلها، ورفعة حضارتهم. كما أن ضعف لغة ما دليل على ضعف أهلها وتراجعهم؛ فاللغة بأهلها قوة وضعفا.

وأشار إلى أن ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم جعلها محفوظة بحفظه وباقية ببقائه رغم أن التطور سنة جارية في كل اللغات وأكثر مظاهره تكون في الدلالات.. مشددا على أن اللغة العربية ظلت محتفظة بكل مستوياتها اللغوية صوتية أو صرفية أو نحوية أو دلالية وما تطور منها كان في إطار المعاني الأصلية.

وتابع “إن إدراك أهمية الاستقرار اللغوي الذي تتميز به اللغة العربية يزداد، إذا ما تأملنا التغير السريع الذي يلاحق اللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، فنصوص الإنجليزية القديمة التي مر عليها قرابة ثلاثة قرون أصبحت عصية على الفهم بالنسبة للإنجليزية المعاصرة”.

وتعتبر اللغة العربية هي اللغة الرسمية في كافة أقطار الوطن العربي إضافة لعدد من الدول الأخرى.. حيث يتحدث بها ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة، إضافة لهذا فهي إحدى اللغات الست الرسمية في منظمة الأمم المتحدة.

ويحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية يوم 18 ديسمبر من كل عام، حيث وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.

ورأى الدكتور محمد داود أن اللغة العربية تواجه تحديات أبرزها تدريس العلوم الطبيعية والطبية بلغة أجنبية وحرمان المكتبة العربية من الأعمال الموسوعية العامة والمتخصصة، وكذلك المعجمات بمستوياتها المختلفة وكنوز المخطوطات العربية المشتتة بين مكتبات العالم لم تحظ بتحقيقها ونشرها ودراستها وتقويمها.

ووفقا للخبير في مجمع اللغة العربية، فإن “علماء اللسانيات” يرون أنه يوجد في الوقت الحاضر ما بين 5000 و 6000 لغة (طبقا لنوعية التصنيف واحتساب اللهجات أو عدمه). وتشير الإحصائيات العلمية إلى أن ما بين 250 و 300 لغة تنقرض سنويا بفعل سرعة التواصل والميل إلى استعمال اللغات العالمية الأكثر فاعلية. وهذا ما يسميه بعضهم بالغزو الثقافي أو اللغوي.

وبعملية حسابية بسيطة، يتبين لنا أن القرن الميلادي الحالي سيشهد اندثار حوالي ثلاثة آلاف لغة، أي نصف لغات العالم.

وذكر أن هناك دولا أخرى تسعى إلى فرض لغتها على الساحة العالمية، مثل ألمانيا التي تتجه حاليا إلى إقامة حلف لغوي يجمع بينها وبين النمسا وسويسرا، وكذا تعمل فرنسا على توسيع نطاق اللغة والثقافة الفرنسيتين في إطار منظمة الدول الفرانكفونية.

ودعا الخبير بمجمع اللغة العربية إلى الاستفادة من هذه الجهود وأن نحذو حذوها، بغية تحقيق الأمن اللغوي، حفاظا على لغتنا الخالدة وحماية لها من طوفان التغريب الذي لن يقتصر على اللغة وحدها، بل سيمتد إلى الثقافة وأنماط التفكير والجذور والمنابع التي تنتمى إليها رؤيتنا للعالم.

وطالب بتوثيق صلات العربية بفروع المعرفة المختلفة، مثل الإعلام، السياسة، الاجتماع (علم اللغة الاجتماعي)، والفلسفة. وكل نواحي المعرفة الإنسانية والعلمية ودعم وتنمية الجهود التي تهدف إلى تعريب المعارف المختلفة.

كما دعا إلى توثيق علاقات اللغة العربية بالفنون بنظرة أوسع، وقد اختصرت تكنولوجيا المعلومات المسافة الفاصلة بين العلم والفن في العالم المعاصر وعلى العربية أن تستفيد في مسائل التنظيم والترتيب بما وصلت إليه علوم الرياضيات والإحصاء والهندسة.

وأكد ضرورة تكاتف الجهود لوضع العربية وما تشمله من معارف وثقافات على قاعدة معلومات منظمة تكون مهيأة للمعالجة الآلية بالكمبيوتر، وذلك لأن أهمية أي لغة على الإنترنت لا تتأتى من مجرد الأسماء والبيانات! هذه اللغة، بل بقدر ما تقدم من معلومات وأفكار تحملها هذه اللغة.

بدوره، قال أستاذ البلاغة بجامعة الأزهر الدكتور فتحي حجازي – في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط – “إن الله شرف اللغة العربية بكونها لغة القرآن الكريم”، معتبرا أن اللغة العربية هي مفتاح لفهم القرآن الكريم أيضا.

وأوضح أن هناك وسائل للارتقاء باللغة العربية منها أن نربي الأبناء على اللغة العربية الفصحى وأن نتخلص من الألفاظ الدخيلة عليها، مؤكدا أن اللغة العربية عامرة بالكثير من المفردات والتراكيب والتي لا توجد في أي لغة أخرى.

ودعا أستاذ البلاغة بجامعة الأزهر، الآباء إلى غرس عادة القراءة بصفة يومية في الأبناء حتى يتطلعوا على تراكيب ومفردات جديدة حفاظا على التراث والهوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *