في أمسية وطنية مفعمة بروح الفخر والانتماء، نظم صالون نفرتيتي الثقافي مساء أمس فعالية جديدة بعنوان “الحرب والسلام.. أمجاد خلدها التاريخ”، بحضور عدد من المفكرين والمؤرخين وأبطال القوات المسلحة الذين شاركوا في تحقيق نصر أكتوبر المجيد عام ١٩٧٣، داخل مركز إبداع قصر الأمير طاز التابع لصندوق التنمية الثقافية برئاسة المهندس حمدي سطوحي.
استهلت الفعالية بالوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء الحروب التي خاضتها مصر من أجل النصر. ثم بدأ الحوار مع الدكتور محمود عفيفي، رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق، الذي استعرض التاريخ المصري القديم وما يحويه من انتصارات ومعارك ومعاهدات. وكشف عن أمجاد الجيش المصري منذ عصر الملك “سقنن رع ” وبطولاته في طرد الهكسوس. وأكد أن مصر لم تكن دولة حرب وكان جيشها لحماية الحدود والحفاظ على الاستقرار فقط. لذا كان المصري القديم هو أول من صاغ مفهوم “السلام القائم على القوة” وضرب مثالًا بمعاهدة السلام التي عقدها الملك رمسيس الثاني “قادش”، كأول اتفاق سلام موثق في التاريخ الإنساني.
ثم استعرض الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة الأسبق، تاريخ تأسيس الجيش المصري خلال العصر الحديث ودوره في حماية حدود مصر الممتدة من بلاد الشام وحتى منابع النيل في أثيوبيا. مؤكدا أن البداية كانت على يد إبراهيم باشا الذي أصر على تجنيد أبناء المصريين وإسناد بعض المواقع القيادية لهم.وهو الأمر الذي عزز مفهوم الهوية المصرية خلال القرن التاسع عشر. مشيرًا إلى أن بناء الجيش لم يكن مجرد تأسيس لمؤسسة دفاعية، بل كان تجسيدًا لمعنى الوطن ذاته، حيث ظل المصري يرى في جيشه امتدادًا لروحه الجماعية وقدرته على الصمود والتجدد. وأكد أن هذه العلاقة الفريدة بين الشعب وجيشه هي التي جعلت نصر أكتوبر ممكنًا، وجعلت من العسكرية المصرية نموذجًا للتضحية والانضباط والانتماء.
في حين استعاد اللواء سعد عبد الهادي، أحد أبطال القوات المسلحة المصرية، في حديث مؤثر اللحظات الحاسمة وحكايات من واقع المعركة، وروى مشاهد حقيقية من أيام الحرب، مؤكدًا أن كل جندي كان يدرك أنه لا يقاتل دفاعًا عن أرض فحسب، بل عن كرامة أمة بأكملها. وكشف عن تفاصيل حرب الاستنزاف مؤكدا أن ٥ يونيو لم تكن هزيمة لأن الجيش المصري لم يحارب والدليل أن نصر أكتوبر جاء بعد أن حارب جنود مصر وتمكنوا من العبور وقهر العدو وحولوا الهزيمة إلى انتصار بفضل إيمانهم بالوطن وقدرتهم على النهوض.
كما شارك في الحوار سيادة اللواء محمد فوزي من سلاح مدفعية، نائب مدير كلية الحرب أكاديمية ناصر الأسبق متحدثا عن التكلفة الباهظة للحرب والتي دفعتها مصر من أجل استرداد الأرض مشيرا إلى الدور البطولي الذي قامت به المدفعية المصرية بإطلاق القذائف خلال أول خمسين دقيقة معلنة بداية الحرب.
كما تحدث العميد طيار حربي عاطف رحمي أحد أبطال الجيش المصري والذي شارك في حرب الاستنزاف حتى تحقيق النصر. حيث كان يقود طائرة “مج ٢١” لإنزال جنود الصاعقة خلف خطوط العدو . ثم العودة لإرجاعهم إلى ارض الوطن.
كما حضر الصالون عدد من جنود القوات المسلحة أبطال الحرب ليحكي كل منهم أمام جمهور الحاضرين شهادته الحية من قلب المعارك التي خاضوها من أجل النصر. ومن الطريف أن منهم من جلب معه بعضا من مقتنيات العدو بعدما قهروهم واجبروهم على الفرار. ومنها بدلة عسكرية “أفرول” مكتوب عليها عبارات باللغة العبرية. علاوة على المشاركة بحكايات عن بطولات بعض الشهداء التي قدموا أرواحهم فداء معارك الكرامة والتحرير.
تأتي الفعالية تأكيدًا على رسالة صالون نفرتيتي الثقافي وربط الماضي بالحاضر، واستحضار الروح الوطنية المصرية عبر مختلف العصور التي جسدت حكمة المصري وقدرته على صون الأرض وبناء المستقبل.
ويذكر أن صالون نفرتيتي الثقافي تأسس في مايو عام ٢٠٢٣ لإلقاء الضوء على الحضارة المصرية وتراثها الإنساني من خلال تقديم فعاليات بشكل شهري لإثراء الوعي العام وتعزيز قيم الجمال والمعرفة والإنتماء. ويقوم بالإشراف عليه كل من الإذاعية وفاء عبد الحميد والكاتبات الصحفيات مشيرة موسى وكاميليا عتريس وأماني عبد الحميد.