كتبت/ ماجدة محمود
في نهاية التسعينيات، وعندما بدأ الموبايل يدخل إلى مُجتمعنا كان شعاره “الموبايل فى يد الجميع”، وقتها هللنا وفرحنا وسوقنا لهذا الشعار، ولم نكن نعلم أن الشيطان قد تسلل إلى حياتنا، ورويدًا رويدًا بدأ يسكن عقولنا، ويُغير من أفكارنا ويهدم قيمنا التي تربينا عليها.
حينما كُنا صغار كانت القراءة هى الملاذ والمُتعة، كُنا نُغذي خيالنا، وننسج عالم من الجمال، والمعرفة، والمُتعة، وكان أولياء أمورنا يُتابعون ماذا نقرأ؟.. ويشاركوننا ما نقرأه، ومن هُنا كانت دائرة معارفنا تكبر كل يوم عن الآخر.قد يقول البعض إن المُقارنة بين جيل لا يجد أمامه سوى الكتاب، والشاشة الفضية المحدودة حتى بعد انتشار الـ”دش”، وبين جيل عالمه مفتوح، وأصبح قرية صغيرة، مُقارنة ظالمة، وأقول إطلاقًا لأننا لو فتشنا عن أصول التربية، والتنشأة الصحيحة، لاكتشفنا أن تطبيق الأُسس والقواعد الصحية والصحيحة في أي زمان ومكان، وبصفة خاصة “البيت”، وهو اللبنة الأولى للحماية من الأمراض المُجتمعية لما قُلنا ذلك.
لكننا كما ذكرت في البداية، سعدنا بهذا الشيطان، وقدمناه طواعية لأولادنا بحجة الاطمئنان عليهم خارج المنزل أو من أجل التباهي.
أتعجب عندما أرى طفل عمره 4 سنوات، ويذهب إلى الحضانة حاملًا “موبايل”، وأتعجب أكثر لأسرة بسيطة تُعاني ظروفًا اقتصادية صعبة، والأم والأب وحدهما لديهما أكثر من خط موبايل، لكن هذا ليس مكانه الآن، دعوني، أستكمل ما بدأت بأن هذا اللعين دمر أفكار ومُعتقدات كثيرة لدى الأطفال، وكان النافذة العريضة التي أطل منها الإرهاب والتطرف، واستهدف زينة بلدنا مصر “الشباب”، نعم مصر بلد شابة، والهدف تدمير شبابها، وأسهل وأبسط الطُرق هى التواصل المُباشر معهم، لكن كيف؟.. ندخل المدارس؟! لن نفلح، نذهب إلى النوادى؟! سيُكتشف أمرنا، نستهدفهم فى تجمعاتهم الخاصة؟! صعب، نذهب إلى المساجد مثلًا؟! حدث ولم يتحقق المأمول منه، إذن هناك طريقة وحيدة وواحدة “الموبايل”، الذى صار فى يد الجميع، ومهما راقبه الأهل فلن يستطيعوا مراقبته طوال الـ 24 ساعة، فلنبدأ على بركة الله، ربنا ما يبارك لكم أعداء الوطن.
تم استهداف الصغار بالألعاب الإلكترونية، التي بدأت بالتدريب على العنف، نعم “العنف” فهو بداية الطريق لخلق إنسان سلوكياته تسبق تفكيره ثم تدرجت إلى ألعاب الظاهر منها التحدي وكسب الأموال أو رحلة مجانية، والباطن فيها هى تحقيق “السمع والطاعة” ما أدى لوفاة كثير من الأولاد فى عُمر المُراهقة، ليس انتحارًا ولكن سمعًا وطاعة.أما الشباب من الأعمار الأكبر، وخاصة “كريمة الخريجين” من الكليات المُتميزة “طب، هندسة، كمبيوتر، وخلافه”، فقد فُتحت لهم غُرف للدردشة، وبث رسائل خاصة، و”آت ما عندك، ولدي الحل لأي مُشكلة”، باعتباره يملُك عصا سليمان، إضافة إلى المُنتديات الافتراضية، بالضبط هكذا.. تعلم عن بعد، لكن ماذا يتعلم؟! بالتأكيد أفكار هدامة لقيمه وعقيدته.
هذا ما حدث ولا يزال يحدُث مع أبنائنا، ومن هُنا لابد أن تكون هناك حلولًا جذرية تبدأ منذ نعومة أظافر الأطفال، لابد أن تتضمن المناهج التوعية بمخاطر الألعاب الإلكترونية وخطورتها، مع الاستعانة بقصص حقيقية لأطفال فقدوا حياتهم نتيجة لهذه الألعاب، وعلى الأسرة أن تُفعل نظام آمن على أجهزة أولادها سواء “لاب توب” أو “موبايل”، وتعلم الابن منذ صغره أن هذا يحميك، كما تُعلمه ألا يُمسك بسكين أو أي ألة حادة وألا يقترب من النوافذ، فالجهاز الذى بين يديه يُمثل نفس خطورة هذه الأشياء، وليُقدم الإعلام برامج خفيفة مُمتعة، تُقدم معلومات لحماية الأطفال والشباب من هذه الشياطين، لأن هُناك برامج يصعب على الكبار مُتابعتها أو حتى الاستماع لها، فما بالك بالصغار أيضًا؟!.. لابد من تكاتف جميع مؤسسات الدولة، ووضع ضوابط مُتمثلة في قوانين صارمة، وهذا ليس تقييدًا للحريات بل حماية للأفراد من أجل إنقاذ المُجتمع من هذا المارد اللعين.
قضية التطرف في كثير من الأمور، وما يُصاحبها من عنف وإرهاب جد خطيرة، ولنا في الجرائم التي صرنا نقرأ عنها ونُشاهدها عبر وسائل التواصل الإجتماعى والـ”يوتيوب”، أسوة غير حسنة، والتي صارت ظاهرة في مُجتمعنا تتطلب وقفة جادة من جميع الأطراف.