المصرية.. نضال من أجل الحرية

من أجل عيونه انتفضت وفداء للوطن قدمت نفسها شهيدة وفى سبيله هتفت.. هى المرأة المصرية صوت الوطن وضميره الحى التى كانت وما زالت رمزا للعطاء، والتضحية، والوفاء والفداء.

أقول قولى هذا احتفاء بها بمناسبة “عيدها” عيد المرأة المصرية الذى يوافق 16 مارس من كل عام، لماذا هذا اليوم تحديدا؟ لأنه يوافق ذكرى خروجها فى ثورة 1919م مطالبة بالاستقلال من عدو ظل جاثما على أنفاس وطنها يمارس طغيانا ما بعده طغيان، كان خروجها هذا كأول إعلان رسمى عن دورها الوطنى الذى تكرر دون إبطاء أو تكاسل أو تراجع فى ما بعد لنفس الهدف.

فى 16 مارس 1919 م خرجت المصرية تتقدمهن الجدات الثائرات صفية زغلول، هدى شعراوى، سيزا نبراوى وكثيرات من بنات الوطن وسيداته المخلصات، ولكن دعونا قبل الاسترسال فى الحديث عن مشهد الخروج.. هذا وهو حدث جلل نذكر بداية مقدماته التى أعطت للمصرية قبلة الحياة ودفعتها للثورة والمطالبة بحقوقها نشير إلى دور محرر المرأة قاسم أمين فى مساندتها بعد أن كان يقف ضدها وضد خروجها من الحرملك.

بداية إدراك المرأة لأهمية خروجها كما يذكر المؤرخون، تكمن فى مطالبات قاسم أمين بتحريرها ومشاركتها فى مناحى الحياة فى كتابه “تحرير المرأة” عام 1899م، رغم أنه كان فى البداية من المعارضين لها من خلال مقالاته فى جريدة “المؤيد”، والتى كانت ضد المرأة وأن مكانها فى البيت من اجل تربية الأولاد ورعاية الزوج، إلى أن طلبت الأميرة نازلى فاضل ابنة شقيق الخديوى إسماعيل من الشيخ محمد عبده صديق قاسم أمين، أن يصطحب قاسم إلى صالونها الثقافى، للاستماع إلى آرائه ومناقشته، حيث انزعجت من هذه الأفكار التى تقف عقبة أمام انطلاق النساء، وهى المؤمنة بقيمة المرأة وأهميتها فى المجتمع ودائما ما كانت تقف ضد حبسها فى الحرملك.

وبالفعل تغيرت أفكار قاسم أمين، بعد حضوره عدة جلسات فى صالون الأميرة نازلى، وكان كتابه تحرير المرأة نبراسا لانطلاقها.

توج هذا الانطلاق فيما بعد بإعلان الزعيم مصطفى كامل عن تأسيس الحزب الوطنى 1907م، حيث بدأت بعض السيدات حضور مؤتمراته، وكان يستهل خطابه بجملة “سيداتى وسادتى” إجلالا واحتراما لها.

ونعود إلى ذكرى الخروج يوم الجمعة 14 مارس 1919م، بعد انتشار خبر اعتقال زعيم الأمة سعد زغلول، حيث انطلقت المظاهرات التى اشتركت فيها النساء، لأن العدو لا يفرق بين رجل وإمرأة تعرضت السيدات لرصاص الإنجليز وسقطت “حميدة خليل” أول شهيدة مصرية من حى الجمالية بعد يومين، وبالتحديد 16 مارس وتتويجا لهذا اليوم ولهذه الشهيدة وقع عليه الاختيار ليكون عيدا للمصرية.

نعود إلى التاريخ الذى يشير إلى أن مشاركات النساء فى الثورات، توالت بعد ذلك سواء منفردات أو بالشراكة مع الرجال، وظل النضال متواصلا، وفى عام 1923م، وهو تاريخ فاصل فى نضال المصرية كانت هدى شعراوى قد أسست “الاتحاد النسائى الدولى”.

وأثناء عودتها ورفيقاتها سيزا نبراوى وحواء إدريس من روما، بعد حضور مؤتمر خاص بالاتحاد واحتجاجًا على صدور قانون الانتخاب بمقتضى دستور 1923م خاليًا من مشاركة المرأة قمن بنزع الحجاب عند نزولهن من القطار بمحطة مصر، رفضًا للقرار ودليلاً على تحررهن.

وواصلت هدى نشاطها السياسى لإثبات وجود المصرية وأصدرت أول مجلة نسائية تسمى “المصرية” عام 1925م.

وهكذا ظلت المصرية أيقونة للثورات ومستمرة فى النضال والحراك السياسى، رغم معارضة بعض المتشددين من الرجال، وأذكر هنا كما يحكى فى صفحات النضال النسائى أنه بعد إلغاء معاهدة 1936م فى 8 أكتوبر 1951م، انطلقت المظاهرات ضد الإنجليز غير المرحب بهم فى الوطن بعد إلغاء المعاهدة من قاعة مجلس الشيوخ، بمعرفة مصطفى باشا النحاس رئيس الحكومة وقتها.

وتقرر القيام بمظاهرة حاشدة من ميدان الإسماعيلية “التحرير” حاليا تقديرا للشهداء الذين سقطوا برصاص الاستعمار.

إذن خروج المصرية لم يكن لهدف أو مطلب شخصى، بل من أجل استقرار وأمن وأمان وطنها، ولهذا فإن ما تحقق للمصرية منذ خروجها الأول عام 1919م وحتى اليوم إن دل على شىء، فإنما يدل على إيمان وطنها بقدراتها وعطاءاتها، وهانحن نرى ما يتحقق لها من أحلام وطموحات مشروعة، وأن القيادة السياسية على ثقة بها وبقدرتها على تحملها وصبرها ومساندة ودعم بلدها، كل سنة وكل مصرية بخير وصحة وستر وحب وعطاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *