الأسعار نار، وميزانية الأسرة تنهار.. والسؤال: «ماذا نحن فاعلون؟!»، ولأن المرأة هي وزيرة مالية الأسرة المصرية؛ فعلى عاتقها يقع عبء الإجابة عن هذا السؤال الصعب، وحل المعادلة فى ظل ظروف اقتصادية معقَّدة يعانى منها كثير من البلدان، إن لم يكن جميعها.
لكن، وبعيدًا عن الأزمات الاقتصادية والغلاء، الذي ضرب كل شيء، دعونا نتدبر الأمر، ونحلل المشهد، الذي أفرز هذا الغلاء، الذى نعاني منه جميعًا، لكن قبلها أؤكد أنني لست أستاذة فى الاقتصاد، أو خبيرة فى عالم المال، والأعمال، ولكنَّني زوجة، وأم تحاول تدبر أمور معيشتها، وتحقق القدر الممكن من التوازن بين احتياجات أسرتها.
وقبل الخوض في «كيف يتحقق التوازن على الرغم من كل ما نعانيه؟! وما المطلوب من المؤسسات الحكومية المعنية، وأيضًا من المرأة المصرية؟!»، فإنني أعتب على المرأة المصرية فى بعض السلوكيات، وخصوصًا الاستهلاكية، وقبل أن يقول البعض «استهلاك إيه فى ظل هذا الغلاء؟»، أُجيب أنه ، بحكم عملي في المجلس القومي للمرأة، واحتكاكي بكثير من السيدات فى الريف والحضر، أؤكد أنه لا يزال هناك كثير من السلوكيات غير السوية، التي تتسبب فى إرهاق ميزانية الأسرة.
على سبيل المثال، لا الحصر، عندما ألتقي سيدات من أُسَر بسيطة، وأسأل: «كم موبايل تمتلكين؟!»، الإجابة لدى الغالبية «2 موبايل!!»، إضافة إلى موبايل لكل فرد في الأسرة، صغيرها قبل كبيرها.. أندهش! لأنني أملك هاتفًا واحدًا بشريحة واحدة فقط؛ أليس هذا عبئًا على الأسرة؟! وإذا كانت الإجابة «من أجل الاطمئنان على الأبناء خارج المنزل، ولمُتابعة الدروس»، فإنني أرد بأنه يُمكن أن نتداول شريحة، أو اثنتين بين الأولاد، ونعود مرة أخرى لاستخدام التليفون المنزلي فقط للاطمئنان عليهم أثناء تواجدهم خارج البيت.
ثم إن جهاز الـ«أي باد» على الإنترنت المنزلي، يحل مُشكلة المذاكرة، والمتابعة على تليفون الأم، والأب فيما يتعلق بأمور الدراسة، والواجبات، لتُحِد من خطورة ترك الموبايل في يد الصغار طوال الوقت، ونحن لا نعلم مع مَن يتواصلون، أو ماذا يشاهدون ويتابعون؟!
سلوك آخر مُدمِّر، ليس فقط لميزانية الأسرة؛ بل لمُستقبلها، وهو “جهاز العروسة”، ولن أتحدث عن مكان في جنوب البلاد؛ بل في محافظة من محافظات القاهرة الكبرى «الجيزة»؛ شاهدت – وأعلم، حتى كتابة هذه السطور – أن الأسرة البسيطة، تُجهز ابنتها بـ15 ملاءة سرير، و20 فوطة، ومثلها بشاكير، وألحفة، وبطاطين، وأطقم حلل، وليس طقمًا واحدًا، بخلاف أنواع وأشكال من المفارش، وأطقم الصيني، وأدوات المائدة من أكواب، وكاسات، وفناجين، والأجهزة الكهربائية، وعلى رأسها غسالة الأطفال “الذين لم يأتوا إلى الدنيا بعد!”.
لو عددت قائمة المنقولات، لن تسع المساحة لسردها، وأضيف لك من الشعر بيتًا، هذه الأسر البسيطة، لا بد وأن تُقدم هدايا، تصل في كثير من الأحيان إلى أجهزة كهربائية لوالدة، وشقيقات العريس!
وأقسم أن هذا حدث، ولا يزال يحدث.هناك أيضًا، سلوكيات مثل «الوجبات الجاهزة»، واستسهال الـ«ديلفري»، وعروضه التي لا تنتهي، وحتى الخروج مع أولادنا لم يعد كما كان في أيامنا؛ حيث نخرج لنأكل الآيس كريم، أو نشرب الحاجة الساقعة، فـ السلوك السائد الآن أصبح «يلا نخرج.. طيب هناكل فين؟!» حتى لو كان الأكل موجودًا في البيت، والأهل لا حول لهم ولا قوة، فقط يرددون «هنعمل إيه؟».
أُعاتب المرأة؛ رحمة وشفقة بها فهي من تتحمل تبعات كل هذه السلوكيات ضعفًا، وحبًا، وعطاءً لأولادها، وأراه أنا كحُب الدبة التي قتلت صاحبها.
أما عن مسؤولية الحكومة، ومؤسساتها، فإنني أطالبها بالضرب بيدٍ من حديد على كل من لا يلتزم من التجار بالأسعار، ولا يتركوننا فريسة سهلة لجشعهم.. جميع الوزارات المسؤولة عليها ألا تكتفي بأضعف الإيمان، وهو تحديد الأسعار؛ بل يجب فرض دور رقابي أكثر إحكامًا وسيطرة على الأسواق.
على سبيل المثال، بجوار مقر عملي بائع فاكهة يحتل مساحة كبيرة من الشارع تقترب من مساحة محل، يبعد عنه بأمتار فكهاني أيضًا؛ مرة واحدة فقط، هي التي حدثت وأزاله الحي، ثم عاد بعد أيام إلى موقعه، ولا يزال يفترش الشارع، ويبيع بأسعار المحل نفسها، وفي بعض الأصناف أغلى سعرًا، وهو لا يدفع إيجارًا، ولا ضرائب، ولا كهرباء، ولا أجور عمالة، والحي عنه غافل! بالمناسبة هو نموذج لكثير من الباعة ليسوا متجولين؛ بل مقيمين في أماكن عديدة ومعروفة.
أعود إلى دور الحكومة، والتي لا بد أن تتواجد في الأسواق سواء كانت فى الشوارع، أو الأحياء، حتى تبعث برسالة طمأنة ودعم للمواطنين، وعلى رأسهم المرأة، أيضًا. علينا جميعًا أن نُقاطع السلع الأساسية، حتى تنضبط أسعارها؛ لأنها أساسية، ولا غنى عنها في البيت.
أقول للسيدات: «حاولي تقاطيعها لفترة، وسترين النتيجة؛ فلن يتحمل التجار وجودها في المخازن والمحلات، ولنا في مُقاطعة السلع الأجنبية المثل».
معًا «الأسرة والحكومة» نستطيع حل معضلة الأسعار، والحد من جشع التجار.