استثمار متحف الحضارة.. تجربة ثقافية لكل الأسرة

ولد عملاقا.. انه المتحف القومي للحضارة المصرية الواقع على بحيرة عين الصيرة في منطقة الفسطاط بمصر القديمة بالقاهرة.

في ابريل 2021 كان افتتاحه الذي أبهر العالم تزامنا مع موكب نقل المومياوات الملكية.

والآن وبعد مرور ما يزيد عن العامين على الافتتاح يلتقي موقع أخبار مصر مع رئيس الهيئة التنفيذية للمتحف القومي للحضارة المصرية الدكتور أحمد غنيم لنتعرف على نتيجة الفكر الاقتصادي في ادارة وتشغيل هذا المتحف الذي ولد عملاقا وما الخطط المستقبلية التي يظل بها في موقع الصدارة بالنسبة لمتاحف العالم.

** د. أحمد.. كأستاذ في الاقتصاد كيف انضممت الى المتحف القومي للحضارة المصرية؟

أنا احمد غنيم استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. عملت مستشارا ثقافيا في سفارتنا في المانيا والنمسا خلال الفترة من 2014 الى 2018.

سبب مجيئي للمتحف.. هذا التساؤل كان لدي عندما تحدثت مع الدكتور خالد العناني  وزير السياحة والاثار السابق كانت فكرته أن متحف الحضارة والمتحف الكبير هيئات اقتصادية بخلاف المتاحف الأخرى التابعة للمجلس الأعلى للآثار والتي تعد هيئات خدمية لذا فهو يحتاج ادارة اقتصادية ليس بالضرورة أن يكون المدير أثري.

ثانيا: انا اقتصادي ولكن ذو خلفية ثقافية من خلال عملي لمستشار ثقافي لمصر في برلين وفيينا.. فبالتالي كان التفكير في شخص له خلفية اقتصادية يستطيع أن يحقق التوازن بين الابعاد الاجتماعية والمجتمعية والبعد الاقتصادي باعتبار المتحف هيئة اقتصادية..فشرفت بالانضمام الى هذا الكيان واتممت فيه الآن عامين.

** خلال العامين المنصرمين.. فترة رئاستكم لهيئة المتحف ماذا أنجزت.؟

لا أحب التحدث بصيغة المفرد. فنحن إدارة ومجموعة .. أحب تسميتهم “أهل المتحف” الناس هنا عندها شغف شديد وحب للمكان وهذا ما أشعر به معهم. فأرتأيت أن هذا مشروع قومي يستطيع أن يحقق دورا مجتمعيا هاما .. نحن في حاجة شديدة له الفترة الحالية في ظل الشكوى الدائمة أنه ليس هناك اهتمام بالابعاد الحضارية والثقافية والمجتمع بحاجة إليها وبالتالي نعمل هنا كعائلة صغيرة ولكن يدنا ممدودة لمختلف المنظمات في جمهورية مصر العربية وخارجها لكل ما يتعلق بالحضارة سواء كان أثار بالأساس أو ما يتعلق بالتراث المصري وعلاقته بالتراث في دول العالم المختلفة.

ولتشجيع وتحفيز الناس على زيارة المتحف برؤية مختلفة وبروح مختلفة قمنا بـ 3 أشياء:

أولا – الزيارة التقليدية التي تعودنا عليها للمتحف حيث يشاهد الزائر بعض الآثار ثم يمضي لم تعد جاذبة للأشخاص.. فالحل أن نفكر أن الأسرة المصرية تحب فكرة قضاء يوم ممتع. وذلك في الأغلب يكون بأن تذهب إلى مول تجاري تتجول فيه أو تذهب إلى نادي. 

من هنا كانت فكرة مزج الزيارة بأبعاد ترفيهية وهذا ما نحاول عمله بحيث أن تكون هناك أنشطة دائمة أو مؤقتة بحيث أننا يكون هناك يوم حضاري للأسرة يمكنها أن تقضيه في المتحف بل وأن تكون الزيارة متكررة.

البعد الثاني هو مخاطبة الناس باللغة السائدة حاليا الا وهي التكنولوجيا فنستخدم شاشات تفاعلية ونستخدم QR كورس وتطبيقات محمول يجعل الزائر في صلة مباشرة وتفاعل مباشر مع الزيارة.

البعد الثالث إقامة ورش عمل وأنشطة ثقافية تنمي الابعاد المختلفة للحضارة مثل الحرف التقليدية، الحفاظ على البيئة أو حفظ التراث في شكل أغاني، موسيقى، محاضرات بحيث يتم خلق منارة ثقافية جديدة في مصر.

** هذه أول مرة نجد متحف يعمل ورش ذات عائد اقتصادي وتعد نواة لمشروعات صغيرة أو متناهية الصغر.. كيف جاءت الفكرة .. وما حجم التفاعل معها؟

أهل المتحف لديهم الكثير من الافكار ودائما في ظل البيروقراطية المصرية لم تكن لتجد طريقها إلى النور. 

كإدارة للمتحف لم نفعل شئ سوى تشجيع تلك الأفكار سواء كانت من داخل المتحف أو من خارجه فنحن نوفر لها المكان مع وضع الاعتبار للمعايير الادارية والمالية وبنروج لهذه الاشياء طالما إرتأينا أنها تحافظ على التراث وبالتالي أصبح المكان منطقة جاذبة لكل من لديه فكرة يريد عرضها وأصبح لدينا فريق عمل يعمل على عرض الفكرة وأصبح لدينا ورش عمل مستمرة كل اسبوع ورشة أو اثنين. 

وبدأنا نطرق أبعاد خاصة بالاطفال وخاصة بإعادة التدوير والبيئة وخاصة بذوي الهمم الذين هم جزء من نسيج المجتمع ولهم حق علينا في توفير مساحة ومكان لهم.

الأمر مستمر وهناك استدامة ويجري تطويره شهر بشهر واضعين في الحسبان ردود افعال الزائرين والمترددين والمشاركين في هذه الورش وهذا جزء من الدور المجتمعي الذي نقوم به وجزء من الترويج المجتمعي لناس لديها حرفة أو موهبه قد تكون أندثرت أو قد تكون غير معروفة بحكم الظروف الحياتية فنحاول التعريف بها.

**  كيف ترى العائد الاقتصادي للورش وما تكلفتها على المتحف؟

الورش بنعملها للزائر بدون تكلفة .. أصبح المكان مفتوحا لأي أحد لديه حرفة ويريد ان يعرضها أو يروج لها يأتي متبرعا بوقته ولو توافرت مواد خام في ورشة العمل.. فعلى الزائر المتلقي للورشة أن يأتي بها أو يدفع ثمنها فالمتحف لا يدخل طرفا في هذا الموضوع وذلك احتراما للقواعد المالية والادارية.

أما لو صاحب الورشة يريد بيع منتجه فيكون ذلك بالاتفاق مع الزائر مباشرة أو بيت الهدايا على أن يكون ذلك بدون تدخل لهيئة المتحف وادارته. 

نحن فقط نهدف لتنشيط وعمل دعاية مباشرة لتلك الحرف وليس لشخص بعينه ونحبب الزائر في أنواع أخرى من التراث لم يكن يعلمها.

** كيف يكون الاشتراك في الورش؟

لو العدد محدود يلزم الأمر التسجيل للورش عن طريق صفحات المتحف على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الأحيان يكون هناك رعاة لبعض هذه الورش.

**  ما الخطط المستقبلية لادارة المتحف والإستثمار باعتباره هيئة اقتصادية؟

فيما يتعلق بالإستثمار هناك عقد مع أحد المستثمرين ليقوم هو بتشغيل كل ما هو تجاري لهذا المتحف فيوجد ما يقرب من 40 محلا وبازار ومجموعة من الاماكن تصلح كافيتريات ومطاعم وسينما ومسرح.. فكل ماهو تجاري هذا هو دور المستثمر وليس دورنا. 

ننحن نقوم حاليا بالأنشطة إلى أن يتم تنفيذ البعد التجاري ولكن لابد أن تكون تلك الأنشطة بموافقة ادارة المتحف وهيئته لنحافظ على الهوية العامة للمتحف وإلى أن يتم ذلك يقوم المتحف بإدارة تلك الورش بغرض الترويج الغير مباشر للأمر.

** هل تكون الورش تابعة للقطاع الخاص في المرحلة القادمة؟

الورش مستمرة كدور مجتمعي للمتحف القومي للحضارة.. لكن العروض المسرحية والسينمائية ستكون خاصة للمستثمر على أن تكون مرتبطة بالمتحف والتراث والحضارة.. فمثلا لن نسمح بأي فيلم يعرض في السينمات فهذا المكان سيظل محافظا على هويته.

** هل يوجد مشروع اتفاق مع مستثمر؟

تم الاتفاق على كل تلك التفاصيل وقريبا إن شاء الله قبل نهاية هذا العام سنجد تجربة جديدة مختلفة تماما للأسرة المصرية لا أريد الافصاح عنها حاليا لكنها بالتأكيد ستكون فريدة في نوعها في مصر كلها.

** وماذا بالنسبة للأسعار هل تكون في متناول الأسرة المصرية؟

هيكون هناك تنوع في الأسعار وأشياء مختلفة لأننا كلنا نعلم أن الأسرة المصرية لقضاء يومها.. يوجد لديها متطلبات عدة للأطفال.. فلابد أن يوضع ذلك في الحسبان فلا نرهق ميزانية الأسرة ولا نجور على البعد التجاري.  فنسمح للمستثمر بأن يحقق الارباح المقبولة.

لذا سيكون هناك توازن فنقدم عددا من الأنشطة والاشياء التي تحقق هذا التوازن.

**ما زال العمل في المنطقة المحيطة بالمتحف وبحيرة عين الصيرة مستمر .. فإلى ماذا يؤول؟

البحيرة تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية.. وليست تابعة للمتحف لكن هناك اتصال وتنسيق دائم ومستمر معها خاصة وأن المستثمر والمشغل لها هو ذات المستثمر الجاري الاتفاق معه للمتحف لذا سيتم اقامة مجموعة من الأنشطة الخدمية سواء مطاعم وكافيتريات وأنشطة بما تناسب المكان وطبيعته مثل رياضات خاصة باليوجا وغيرها بما يحافظ على هوية المكان ولكن تدر عائد.

** ما الفرق بين متحف الحضارة كهيئة ومستقلة وأي متحف اخر؟

جميع المتاحف بمصر تخضع للمجلس الأعلى للآثار ما عدا المتحف القومي للحضارة المصرية والمتحف المصري الكبير هما بموجب قوانين خاصة صدرت لهما في 2020 اصبحا هيئات اقتصادية مستقلة لهما مجلس ادارة مستقل وقرارتهما مختلفة كهيئات اقتصادية فبالتالي الفكر مختلف. 

ولأنني لست هيئة خدمية فيجب أن اعمل على تقليل الفجوة المالية الموجودة فيجب أن افكر في أنشطة واستثمارات تعدل الدفة بينما المتاحف الأخرى هيئات خدمية فبالتالي هذا البعد الاقتصادي غير موجود.

من الاشياء التي نجمت عن تحول المتحف الى هيئة اقتصادية أن اصبحت السفارات المختلفة ترغب في التعاون معنا.. فبدأنا بعرض الفلامنكو الاسبأني وهناك تعاون مع السفارة البلجيكية والرومأنية والايطالية والصينية وغيرهما في مجالات الاثار والترميم والأنشطة الثقافية.

** مركز الترميم الخاص بالمتحف القومي للحضارة المصرية يعد الاكبر والاضخم حتى الأن .. كيف يعمل؟

مركز الترميم ليس قاصرا على وزارة الاثار لكن مع وضع البعد الاقتصادي في الحسبان فمتاح لي شكل من أشكال الترميم فنحن الآن فتحناه للزيارة بتصريح وهذا لم يحدث من قبل. وهو ليس مفتوح للجمهور أو الاطفال بتذكرة لكن بتصريح للمختصين والمهتمين بالترميم وهذا يدر عائدا ليتيح للناس أن تشاهد ما وراء الستار.

** ما اشكال التعاون مع الجامعات والهيئات البحثية؟

حريصون على التعاون مع الجامعات المصرية الحكومية والخاصة . شعارنا دائما.. “اهلا بكم” ولكن تكون المنفعة متبادلة فكما نفيد الطلاب فأنا كهيئة اقتصادية يجب أن استفيد.

ليس بالضرورة أن تكون الاستفادة مادية لكن يمكن بتربية جيل جديد استعين به وأن يكون لدي متطوعين يساعدوني لأن حجم الزيارات اليومية كبير وفتحنا بالفعل باب التطوع وهم سند كبير للمتحف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *