كتب/ د. عبد الرحيم ريحان
قامت بأعمال الحفائر منطقة آثار جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية واشترك فى هذا الموسم موسم 1988 – 1989. طارق النجار – محمد عمران – عبد الرحيم ريحان – خالد عليان – جمال سليمان تحت إشراف عبد الحفيظ دياب مدير المنطقة
وكان لى شرف أن أكون المفتش المسئول عن الحفائر حين كشف هذه اللوحة الهامة الخاصة بفرن تصنيع أسلحة داخل قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا وقمت باكتشافها على بعد 10سم فقط من سطح الأرض
وكانت مقلوبة على ظهرها وكان معنا عمال عاديين وليس عمال حفائر فنيين لضعف الميزانية ولو تركته لحظة لأجهز عليها، كما حمدت الله إن إسرائيل لم تقم بعمل حفائر فى هذا الموقع وإلا كانت معالم اللوحة ستضيع إلى الأبد بتدميرها أو تشويهها وقمت بعدلها
ورأيت المفاجأة الكبرى من وجود هذا النص وكانت هذه أول مرة فى عمرى أشعر بسعادة الكشف الأثرى الذى اكتشفته بنفسى أو ما يطلق عليه ” نشوة الكشف الأثرى ”
ثم أبلغت زميلى الأستاذ طارق النجار وكان متواجدًا داخل القلعة ويقوم بأعمال مرور ومتابعة العمل الأثرى بالقلعة وتركنى لأتعلم بنفسى فنون الحفائر الأثرية
وقد تعلمت وشرفت بهذا الاكتشاف العظيم الذى أعاد تأريخ القلعة وأكد بناؤها فى عهد صلاح الدين الأيوبى
وقمت بأول قراءة للنص أى كتبت شهادة ميلاد هذا الأثر العظيم فى لحظة مولده وهى لوحة من الحجر الجيرى والنص فى ستة سطور:
بسم الله الرحمن الرحيم أعمر هذا الفرن المبارك العبد الخاضع لله على بن سختكمان الناصرى العادلى فى أيام الملك الناصر يوسف بن أيوب صلاح الدنيا والدين محيى دولت أمير المؤمنين سلطان جيوش المسلمين وذلك بتاريخ تسعة شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة
وكتبتها فى ورقة صغيرة واحتفظت بها ثم أبلغت زميلى ورئيسى فى العمل الأستاذ طارق النجار وهو عالم فاضل لم يبخل بعلمه على أحد وتعلمت منه الكثير مهما اختلفنا ولكن أمانة الكلمة أقوى منى ومنه فقد جاءت فى سورة متكاملة فى القرآن الكريم سورة القلم }ن والقلم وما يسطرون{
بهذا الاكتشاف الهام فى سرية تامة فحولنا عدة جهات من الممكن أن ترسل الخبر قبلنا وتحرق المفاجأة وقمنا بلف الحجر فى قطعة قماش وعبرنا به إلى الجانب الآخر حيث مقر تفتيش الآثار ودخلنا به المخزن بعيدًا عن العاملين بالتفتيش وبدأنا فى قراءة النص سويًا وتأكدت من سلامة قراءتى ,وبالتالى فأنا وزميلى العزيز الأستاذ طارق النجار أصحاب هذا الاكتشاف
وتم إرسال قراءة النص إلى مدير عام المنطقة الأستاذ عبد الحفيظ دياب تيلفونيًا فلم تكن هناك وسائل التواصل الحديثة وفى البريد سيستغرق عدة أيام وقام بدوره بإرسالها لرئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية فى ذلك الوقت المرحوم الدكتور فهمى عبد العليم والذى نشرها بالصفحة الأولى من جريدة الأهرام العدد 37411بتاريخ 13 مايو 1989 وطبعًا لم يذكر إسمى ولا إسم زميلى ولا إسم مدير المنطقة ولا مدير عام المنطقة ولم تكن تهمنا الأسماء ففرحتنا بالكشف الأثرى ودلالته الأثرية وإعلانه أكبر من كل شيء
وعكفت على توثيق هذا الكشف وإعداد النشر العلمى عنه كعادتى فى كل كشف واحتفظت به لحين الوصول إلى دورية علمية لنشره وكنت مطمئن وسليم النية بأنه لن يقفز أحد على هذا الاكتشاف لينشره قبلنا ويتجاهل ذكر أصحاب الكشف الحقيقيين وهذا حقهم القانونى فألف باء النشر العلمى هو ذكر اسم البعثة التى قامت بالكشف وتاريخ الكشف وأسماء المكتشفين وإذ لم يعرفهم يتوجه إلى منطقة العمل ويسأل عن أسماءهم لأنه حق قانونى
وشاءت الأقدار أن أسافر إلى اليونان فى منحة علمية لدراسة الدكتوراه بجامعة أثينا والذى لم أكملها لظروف مادية واكتفيت بدراسة اللغة والحصول على ما يعادل الماجستير والذى لم يعترف به فى مصر وبدأت بعد عودتى من تمهيدى ماجستير والحمد لله فكل شيء بقدر
وأثناء وجودى فى المكتبة البريطانية بأثينا لتحصيل مادة علمية لأبحاثى تعرفت على مدير المكتبة وحين عرف أنى مصرى وأعمل بسيناء بدأ فى النقاش العلمى معى وقال لى بصيغة ود: على فكرة عندكم قلعة يهودية، قلت له: قلعة يهودية فى مصر إزاى؟ قالى لى: قلعة صلاح الدين فى طابا، قلت له: صلاح الدين محرر القدس له قلعة يهودية؟، قال لى: فى بحث علمى عندنا بيقول كده، فطلبت منه البحث وهو بحث خاص بالباحث الإسرائيلى Alexander flinder قام بأعمال مسح أثرى حول جزيرة فرعون عام 1968م بمجموعة من الغواصين البريطانيين والإسرائيليين وتركزت الأعمال البحرية في المساحة بين الجزيرة والبر ونشر بحثه عام 1977م فى مجلة the international journal of nautical archaeology and Underwater Exploration تحت عنوانThe island of jezirat faraon its anchient harbour anchorage and marine defenceوهذا البحث هو المصدر الأساسى فى الغرب عن جزيرة فرعون، وهو مصدر معلومات المرشدين اليهود لزوار قلعة صلاح الدين من إيلات من جنسيات مختلفة وكذلك بعض المرشدين المصريين والأجانب، حيث يذكر Flinder أن جزيرة فرعون كانت ميناء ومرسى قديم أيام نبى الله سليمان وأن ذلك العصر يتوافق مع عصر الملوك فى إسرائيل حيث شهد شمال خليج العقبة نشاطًا بحريًا هائلًا حسب زعمه
وبعد أن قرأت البحث مع مدير المكتبة وعدته أن أحضر له صورة كشف أثرى فى الغد يفنّد كل هذه الادعاءات الغير علمية ولم يكن معى موبايل فى ذلك الوقت لأعرض له الصورة فلم يكن الموبايل معروفًا فى مصر قبل سفرى إلى اليونان ولكنى وجدته فى اليونان وكان مرتفع الثمن بالنسبة لدخلى وأحضرت له صورة اللوحة وشرحت له قصة الكشف وقلت له سينشر كل هذا علميًا حين عودتى إلى مصر وتم نشر بحثى الهام فى كتاب الاتحاد العام للآثاريين العرب بعد إلقاؤه فى مؤتمره العلمى
وكانت الآثاريين العرب فاتحة خير لنشر إنجازاتنا العلمية بسيناء وتم تفنيد كل ما عرضه الباحث الإسرائيلى فى بحثه وكانت نقطة انطلاقنا لتكون حفائرنا من أجل تأكيد الهوية المصرية فى سيناء وتفنيد كل الادعاءات الصهيونية فى سيناء ومنها الادّعاء بأن طريق الحج المسيحى هو طريق حج يهودى ولنا معه قصة إن شاء الله تعالى وهذا ما تحقق منذ عودة سيناء