الأسبوع الماضى فى نفس المساحة، وبنفس العنوان، طرحت عددا من التساؤلات حول “أحوال الزواج فى مصر”، وأكدت أن ما كان عليه الحال فى الزواج هو “الحب والاحترام”، وتساءلت: “إذن ماذا حدث غير الأحوال فهدم الديار وفرق الأحباب وشرد الأطفال؟.. وما الذى يجب أن يكون كى نعود إلى عهدنا الذى عاهدنا أنفسنا عليه عند عقد القران من الالتزام بحسن المعاشرة وإقامة شرع الله؟”
أشياء كثيرة غيرت وأثرت فى العلاقة الزوجية بدأت بغياب دور كبير العائلة الذى كان يمثل رمانة الميزان فى استقرار أوضاع العائلة بكل أطرافها، كان الخلاف إذا دب لا يخرج عن نطاق العائلة وكبيرها، كلمته مسموعة، وحكمته واتساع صدره يوأد أى صدع فى مهده.
ولهذا لم نكن نرى قضايا بالمحاكم أو شكاوى بأقسام الشرطة إلا فيما ندر، أيضًا فكرة عدم وضع ضوابط وشروط ملزمة لكل الأطراف عند إبرام الزواج، وافتراض حسن النوايا والجملة المعهودة “إحنا بنشترى راجل”، وتضيع حقوق الفتاة بعد أن يكون الكبار ودعوا الحياة، ولا تجد ملجئًا أو مأوى بعد سنوات من الكفاح مع الزوج والأبناء!
وكما أشرت فى المقال السابق، كيف كان أجدادنا الفراعنة يضعون النقاط فوق الحروف فى كل كبيرة وصغيرة حفاظا على الحقوق وتأكيدًا للواجبات، فلماذا لا نتبع ما سار عليه الأجداد؟.. خصوصًا وأن الشريعة الإسلامية أيضاً أقرت للنساء بحق الكد والسعاية، والخلع فى حالات الضرر، وعدم القدرة على الاستمرار فى الحياة الزوجية عملا بمبدأ درء الضرر.
وأذكر أنه بعد أن طالبنا بوضع اشتراطات فى عقود الزواج منها على سبيل المثال عدم الزواج بأخرى دون علمها، وعدم منعها من العمل أو استكمال تعليمها، وإضافة اشتراطات أخرى إذا أرادت الزوجة، لم أسمع فى أى عقد زواج حضرته يقرأ المأذون على طرفى الزواج أو الحضور هذه الاشتراطات، ولم يشر إليها من بعيد أو قريب، ولم تنظر لها العروس أو أهلها لأنهم “بيشتروا راجل”!
بعيدًا عن العلاقات الإنسانية هناك تغيرات طرأت على قانون الأحوال الشخصية جعلت من العلاقة عند الانفصال علاقة حرب وتار ينكوى بنيرانها الصغار، نعم خلافات طرفى النزاع “الأب والأم” صبت فى خانة الأبناء، كل طرف يريد الانتقام من الطرف الآخر يلجأ لنقاط الضعف التى هى بالطبع “الأولاد”.
ولهذا أرى أن القانون الذى نحن بصدد إدخال التعديلات عليه لابد وأن يراعى فى المقام الأول مصلحة الصغير، فهو جيل المستقبل ولا نريد جيلا ممزقا، معقدًا نفسيًا، ناقما على الحياة والزواج، ولنا فى نسب العزوف عن الزواج عبرة وعظة.
وظلت قوانين الأحوال الشخصية محلك سر منذ القانون الصادر 1925، والذى تم تعديله 1979 عندما أقر حق الحاضنة فى شقة الزوجية، والاستجابة لطلبها بالطلاق فى حال تزوج بأخرى، إلا أن المحكمة الدستورية ألغته بسبب خطأ فى الإصدار، وتم إلغاؤه 1985 ليتراجع وضع المرأة 50 عاما إلى الوراء حتى تحركت الحقوقيتان “نادية فهمى”، و”منى ذو الفقار”، وتم تغيير حرف واحد فى متن المادة من “و” إلى “أو”، لتنص على: “طلب من الزوجة إثبات الضرر المادى أو المعنوى من الزواج الثانى لتحصل على الطلاق، أيضاً يجوز لأى ولى إذا تزوجت المرأة بدون أذنه أن يطلقها من زوجها خلال 3 شهور”!..
والسؤال، أين المرأة من هذا؟.. هل هى مواطن بلا أهلية؟.. هل هى سلعة يتم التصرف فيها وفقاً للأهواء الشخصية؟.. لماذا تعامل كشخص فاقد للأهلية والمولى عز وجل لا يفرق بين امرأة ورجل ويحاسب الإنسان دون تمييز للنوع؟..
فى فيلم “أريد حلا” ظلت “درية” المبدعة فاتن حمامة، تطالب لمدة 14 عاما بالطلاق ولم تحصل عليه، فكان الحل فيما بعد إصدار قانون الخلع، والرائعة أمينة رزق “الزوجة” التى تركها زوجها بعد 30 عاماً ليتزوج عليها دون أن يعطيها ما يكفيها للحياة بصورة كريمة، وبسبب رفضه تطليقها أصبحت تعانى من الإهمال من الزوج ومن المجتمع، فكان الحل فى إقرار نفقة المتعة والتأمين على الأسرة.
وبعد نحو 47 عاما ظهرت النجمة نيلى كريم “فاتن أمل حربى” الحفيدة الشرعية لـ”درية” فى “أريد حلا”، لتقدم صرخة وتضع يدها على عوار قانونى يتطلب جراحة عاجلة، لتعطى قبلة الحياة لصغار لا ذنب لهم أنهم ولدوا لأم وأب بينهما كل هذه الجراح والأورام المتجزرة فى علاقة المفترض أنها بدأت بعقد شراكة على الحلوة والمرة.
مطلوب لدرء الصدع وإقرار الحق وإتاحة الفرصة لإقامة عدل الله أن تضم كل القضايا التى تم رفعها قبل الطلاق أو بعده فى قضية واحدة لتقصير مدد التقاضى والتيسير على القضاة، الاعتراف بأهلية كاملة للأم دون حرمان الأب، نريد قانونا رحيما بالمرأة وصغارها وأن نضع مصلحة الصغار فى المقام الأول.. فهل من مجيب؟